المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنف ضد النساء


lonely
08-11-2006, 11:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


العنف ضد النساء


يمكننا من خلال التنزه في حدائق المعلومات العثور على جمل مفيدة كثيرة ومنها: لعل واحدنا لا يحتاج إلى كبير عناء، في نظرته إلى عالم اليوم حتى يترحم ألف مرة، على ما سماه الإنسان شريعة الغاب!

صحيح أن مبدأ القوة يحكم عالم الحيوان، في علاقة أفراده بعضهم ببعض: إلا أن مبدأ القوة ذاك تحكمه قوانين تنتمي إلى خط التوازن الذي يكفل للحياة في ذلك العالم استمراريتها، تلك القوانين التي تمنع الحيوان من الأكل إلا عندما يجوع، وبالتالي تمنعه من القتل إلا لضرورة البقاء.

أما عالمنا البشري فقد أصبح القتل فيه ملح الحياة اليومية، وأهم ما فيه أنه ليس لضرورة البقاء، بل إشباعاً لكل نوازع الأنانية، من الطمع والجشع وحب السيطرة والغطرسة، والتعالي والتكبر، متوسلاً لذلك بكل رذائل الأخلاق، من الكذب والدجل والخداع.

ومنه العنف ضد رفيقات الدرب، ضد أقرب النساء، بات شائعاً وعادياً، زوجات خطيبات، حبيبات.. يقضين على يد شريكهن قتلاً مبتكراً، أو تشويهاً وإعاقة فظيعين، والمؤكد أن الرهيب الذي نعرفه أقل من الذي لا نعرفه. فالعائلات ما زالت تحتفظ بأسرارها المؤلمة.

أما الخطاب الذي يحلل هذا العنف ويبحث عن أسبابه فهو أيضاً شائع بشيوعه ومفاده أن العنف ضد النساء أساسه النسوية و(تهويماتها النضالية) و(الباحثة عن الندية والتكافؤ والمساواة) وحسب زعم بعض الباحثين أن هذا الخطاب، الخائض في أسباب جذرية للعنف ضد النساء، هو نفسه يؤجج، وسوف يؤجج المزيد من العنف ضد النساء، لا لسبب إلا لأنه سوف يضع (العنف) أمام أسباب عنيدة يصعب اجتثاثها.

النساء يتعرضن للعنف، ليس لأن النسوية حشت رؤوسهن بسموم الحرية والمساواة، بل لأن بروز النساء في المدينة كسر النظام القديم، الذي كان قائماً على تواجد النساء خلف أسوار بيوت المدينة، وليس على سطحها: كان من المستحيل العودة إلى النظام القديم لأنه، وهذا بفضل النسوية، صارت هناك تسميات واضحة للعنف القديم الذي كان يمارس ضد النساء خلف هذه الأسوار، ولكن أيضاً تنشأ هناك إمكانية للتعامل مع هذه الفوضى العارمة التي تسبب بها بزوغ النساء في المدينة، أي بمعنى آخر: قد يكون اختلال النظام وانكسار التوازن القديم، هما المتسببين بكل هذا العنف ضد النساء.

ما هي بداية الفوضى التي تسبب بها بروز النساء في المدينة؟

فوضى من نوع خاص، فوضى وجودية، تسلم بجوانب متباعدة، لكنها موجودة محسوسة:

فبخروجهن من البيت، تغيرت النساء في تفاصيل كبيرة وصغيرة، مرئية ومخفية، فالخارج صار جزءاً من عالمهن (حتى بالافتراض)، وبتواجدهن فيه، تغيرت لغتهن ومصالحهن وسلوكهن وطموحاتهن، لم يكن الأمر كذلك في السابق. كن في البيوت، لا يعرفن إلا الوجوه المحللة، ولا تراهن عين، من جهته كان الرجل تاريخياً في الخارج وبقي الخارج. لم يتغير مكانه، ولا تغيرت بالتالي طبائعه أو مخيلته أو ملامحه.. بقي كما كان: محكوماً بقانون المدينة، كائناً يحارب من أجل الاستئثار، كل بحجمه، وبالموقع الذي أوجده فيه قدره.

ولأن الخارج هو كذلك، أي مجال صراع على السلطة والاستئثار، ولأنه مختلف عن صراع الداخل، كان التغير الأساسي الذي طال النساء اكتشافهن السريع لنوعية هذا الصراع، وانجرافهن العارم للخوض به، ما حمل النساء عبء منافسة الرجال في مجالاتهم، هكذا كان مقياس نجاحاتهن الفردية في المدينة احتلالهن لأعز ما هو متوافر: أي موقع القرار. في هذه الأثناء، كن يطرقن باب السلطة، وكان جسدهن يتحول إلى سلعة جنسية بعدما كان مصدراً للخيال: بورنو، فيديو كليب، إعلانات، دعارة من كل الأصناف.. ومفادها كلها اللعب بالمفاتن الجسدية المتلهف لها الرجل، على التعري، عل الوعد بالتعري.

فلا يكفي أنها تنازعه سلطته في مجاله، بل تريد ترسيخ سلطتها الأخرى، الإغواء، العائدة إلى أيام كانت لا تملك سلطة غيرها. سلطتان: القرار والإغواء.

ماذا يُنتظر من رجل مواطن، تنافسه كائنات غريبة كهذه، وتسطو على مجاله الحيوي وعلى مخيلته؟ أن يغار، أن يستسلم، أن يستقيل... لكن في مجمل الأحوال أن يتشنج ويتوتر ويغضب، لماذا؟ لأنه لا يفهم تماماً ما يحصل، لم يفهم على أي نسق يرسو، على أية منظومة يتدبر أموره العاطفية، هو الذي اعتاد طوال آلاف من السنوات والمئات من القرون، أن يكون الأول، القوّام، الآمر، الناهي.. الممسك وحده بالجمال الأنثوي، الخطير. ها هو الآن لا يفهم. بل إذا استطاع أن يفهم، وبالسرعة اللازمة، كان عليه التعامل والتعاطي والاعتياد والتسوية والأخذ والرد. ولكن كلما قل فهمه، زاد عنفه، واقترب من أنماط الجرائم التي نشهد. فالعنف فعل حماقة وجهل.

ماذا يستطيع الجنسان أن يفعلا، ليعطيا لعلاقاتهما بُعداً إنسانياً هما في أشد الحاجة إليه الآن؟ لا النساء فقط وهن ضحايا العنف ضدهن، بل الرجال أيضاً، وهم ضحايا العنف الذي يمارسونه ضد النساء.

أن يتخلصوا من موبقات الصراع على السلطة، والحرب بينهما من أجلها، فبانتظار أن تمر الحروب الكبرى، المنغصة أصلاً لعيشهما، ليس من الضروري أن يكون لقاؤهما ونهايته باباً من أبواب جهنم، ثم أن يغير الرجال مواقع تواجدهم، أن يدخلوا إلى الخاص، إلى البيت، أن يتعلموا لغته وحساسيته وتفاصيله وشفافيته. لا أن يضعوا المريول على وسطهم ويلبو رغبات (المدام).. بل أن يأخذوا من النساء، على الأقل بنفس القدر الذي أخذت النساء منهم.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أحسنكم أحسنكم لأهله) و(اتقوا الله في النساء).