المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبل 50 سنة كانت الأسطورة ... منتخب جبهة التحرير الجزائري...


المركز الرياضي
04-08-2008, 09:15 PM
قبل 50 سنة كانت الأسطورة ... منتخب جبهة التحرير الجزائري... الكرة «بتتكلم» ثورة
http://www.daralhayat.com/sports/04-2008/Item-20080407-29ce56a1-c0a8-10ed-01e2-5c7383f23825/montakhab_22.jpg_200_-1.jpg


الكرة الجزائرية ستحتفل بمنتخب الثورة في الحادي عشر من الشهر الجاري. (الحياة)
تحتفي الجزائر في الـ 11 من نيسان (أبريل) الجاري بالذكرى الـ 50 لميلاد أسطورة الكرة الجزائرية «منتخب جبهة التحرير الوطني» الذي يظل حياً في الذاكرة الجمعية في واحدة من الاعترافات الشعبية والرسمية لهذا المنتخب، الذي اسمع لاعبوه من به صمم، ومهدوا لميلاد الكرة الجزائرية الجميلة. ومن المتوقع أن يحظى من تبقى من أعضاء المنتخب بتكريم خاص من أعلى السلطات في البلاد.

وإلى اليوم يتذكر الجزائريون على اختلاف مشاربهم وأعمارهم بإعجاب واحترام كبيرين «منتخب الجبهة» - الأسطورة - مقدرين جهود وجهاد أعضائه في سبيل التعريف بقضية الجزائر العادلة، حين تحركت ثلة من الرجال المؤمنين بقضية بلادهم وشعبهم المقاوم تاركين الأضواء والشهرة والمجد، وفروا إلى حيث داء الوطن.

لكن اللحظة الحقيقية لتأسيس «منتخب جبهة التحرير» بقيت حبيسة الصدور والنوايا، وفي تونس - التي مهدت للثورة الجزائرية واحتضنتها وقيادة الجبهة - التقت إرادة قيادة الثورة وأحلام الشباب بالحرية وكرة القدم، فانبثق «منتخب جبهة التحرير الوطني» الذي أسمع قضية الجزائر من به صمم. ففي شتاء العام 1957 عندما كانت الثورة الجزائرية المباركة تقطع عامها الثالث في عنفوان كبير، قل نظيره بين ثورات العالم في القرن الماضي، التقى المدعو أحمد بن كفول - أحد المغرمين بالكرة المستديرة - الحاج دواودة الذي كان يشرف وقتئذ على نادي الترجي التونس، وتبادلا فكرة إنشاء فريق يسهم بأسماع العالم القضية الجزائرية العادلة.

لم يكن من السهل تجسيد الفكرة قياساً بأوضاع الجزائر وشعبها الذي يكابد لأجل الحرية والاستقلال، لكن ذلك لم يمنع بعض اللاعبين الجزائريين المقيمين آنذاك في تونس من استغلال دورة رياضية أقامها النادي الافريقي التونسي لفائدة فرق مغاربية احتفاء بالعيد العالمي للعمال (أول أيار (مايو) 1957) لتكوين «منتخب جيش التحرير».. بدأ صغيراً مغموراً لا يعرفه أحد ولم يسمع به أحد، لكن عزيمة أصحابه كانت قوية، وتحولت المناسبة إلى فرصة اكتشف فيها الجمهور التونسي ومعه الفرق المشاركة - بينها نادي فاس المغربي بنجمه اللامع الراحل العربي بن مبارك - المنتخب الجزائري الذي لم يمر على تأسيسه سوى بضعة أيام. وما زاد من فخر المنتخب وأعضائه احتفاء قيادة الثورة بهم من خلال حضور العقيد عميروش (أحد كبار مجاهدي الثورة) شخصياً للدورة، وكذا لفتة الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة عندما أمر برفع العلم الجزائري إلى جانب رايات تونس والمغرب وليبيا.

جاءت الدورة إرهاصاً لنشاط رياضي مكثف لمنتخب جيش التحرير الجزائري، من خلال المشاركة في عديد من الدورات في بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية وليبيا والعراق وسورية والكويت والأردن، في خطوة لإسماع صوت الجزائر. استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن حل الـ 15 من شهر نيسان (أبريل) من العام 1958، وإثر اتصالات سرية بين قيادة جبهة التحرير الوطني، الممثل الشرعي الوحيد آنذاك للثورة، وبعض اللاعبين المحترفين بأوروبا أعلن عن تأسيس ما بات يعرف اليوم بـ «منتخب جبهة التحرير الوطني» الذي صدح فعلاً بصوت الجزائر وكان صوتها في الخارج.

جاءت الخطوة بعد قرار شجاع اتخذه نحو 32 لاعباً محترفاً بمختلف البطولات الأووربية، وبفرنسا على وجه التحديد، فتركوا أنديتهم ولذة الاحتراف والشهرة والمجد والتحقوا، رفقة زوجاتهم، بتونس»، تلبية لنداء قيادة الجبهة، وذلك للإسهام في تشكيل المنتخب الجديد الذي سيتحول بعدها إلى رمز الكرة الجزائرية ونواتها الأولى. واعتبرت الخطوة آنذاك محاولة من قيادة الجبهة لضرب مصالح العدو حتى في ما يتعلق بالجانب الرياضي خصوصاً أن بعضاً من لاعبي المنتخب وعلى رأسهم رشيد مخلوفي كانوا يتأهبون للانضمام للمنتخب الفرنسي عشية مشاركته بمونديال السويد 1958.

ويروي شهود عايشوا الحدث أن التحاق هؤلاء اللاعبين بقيادة الثورة بتونس كان على مراحل وفي سرية تامة لم تثر انتباه السلطات العسكرية الفرنسية ولا مسؤولي أنديتهم. كانت الدفعة الأولى ما بين نيسان (أبريل) وأيار (مايو) من العام 1958 عندما نجح نجومه الأوائل في تجاوز مرحلة الشك والانتقال إلى تونس سراً لتشكيل النواة الأولى للمنتخب بينهم عبدالعزيز بن تيفور وعبدالرحمن بوبكر ومصطفى زيتوني وقدور بخلوفي وعمار رواي قبل أن يلتحق بهم بعد ستة أيام كل من مختار عريبي (مدرب وفاق سطيف الراحل) ورشيد مخلوفي (نجم نادي سانت إيتيان ومدرب منتخب 75 و82) وعبدالحميد كرمالي (مدرب منتخب 1990) وعبدالحميد بوشوك والمدير الفني محمد بورزاق.

ولم تمر سوى أيام حتى كان عدد آخر من المحترفين يلتحقون بهم سراً إلى تونس في واحدة من المفاجآت التي أدهشت العدو الفرنسي في عدم قدرته على كشف مخطط هرب نجوم الفرق الفرنسية.

وخلال الفترة التي امتدت من 1958 حتى الاستقلال في العام 1962، قدم أعضاء منتخب جبهة التحرير الوطني أروع الأمثلة في دعم الثورة المباركة بجولاتهم المتعددة في العديد من الدول العربية والأوروبية والأسيوية نجحوا خلالها في التعريف بالقضية الجزائرية وفي نيل استعطاف الكثير من الدول، ما بوأهم مكانة الكبار في كل دولة ينزلون ضيوفاً عليها. وخلال هذه الجولات خاض منتخب جبهة التحرير الوطني نحو 91 مباراة فاز في 56 منها وتعادل في 13 وسجل هجومه 385 هدفاً وتلقى مرماه 127 هدفاً.

ولا يزال نحو 14 لاعباً، من بين 32 الذين شاركوا في تأسيس المنتخب، على قيد الحياة تقدمت بالكثير منهم السن واعتزل الكثير منهم الحياة الرياضية والاجتماعية، عدا نجم الفريق الأول رشيد مخلوفي (73 سنة) الذي لا يزال، على رغم غربته بتونس، محتفظاً بذاكرته المتوهجة وبحماسته المتقدة للكرة ورغبته في تجميع من تبقى منهم على قيد الحياة، لاسترجاع الذكريات وتعريف الجيل الصاعد بـ «ثورة» أصحابه وجهادهم في ميادين الكرة، بينما اعتزل الشيخ عبدالحميد كرمالي (77 سنة) منذ ثلاث سنوات عالم التدريب، وكذلك فعل قبله عبدالحميد زوبا (مدرب مولودية الجزائر عام 76 ومنتخب 84 ) وسعيد عمارة (المدرب الأسبق لمولودية سعيدة) وغيرهم.

ويعتبر الكثير من المتتبعين رشيد مخلوفي الذي أشرف على منتخب 75 و1982، أحد أعظم اللاعبين الجزائريين لكل الأوقات قياساً بالموهبة الفذة والمهارات العالية التي يتمتع بها والإنجازات التي حققها مع منتخب الجبهة، وكذا مع نادي سانت إيتيان الفرنسي الذي كان نجمه الأوحد في فترة الخمسينات والستينات. وكان قاب قوسين أو أدنى من الانضمام إلى منتخب الديكة المشارك في مونديال 1958 قبل أن يلبي ورفاقه نداء الوطن. ويقول: «إنه لم يندم أبداً على اتخاذ القرار، لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار».

وترك مخلوفي انطباعاً حسناً في نفوس زملائه بالفريق الفرنسي بنجوميته التي طغت على الجميع، وشهرته التي أطبقت الآفاق، إذ اعترف أخيراً زميله بالنادي إيميل جاكيه الفائز مع منتخب بلاده بمونديال 1998 بأنه «كان متأثراً بشدة بمهارية مخلوفي وأدائه فوق المستطيل الأخضر خلال وجودهما ضمن الفريق في الستينات».

ولن تمر اليوم الذكرى في صمت، فقد قرر التلفزيون الجزائري الاحتفاء باليوبيل الفضي للمنتخب من خلال تخصيص يوم مفتوح على الكرة الجزائرية يتناول أهم الحقبات التي مرت بها بدءاً من ميلاد منتخب الجبهة وصولاً إلى تتويجه بالكأس الأفريقية في العام 1990 وسقوطه الحر بعدها في مستنقع التخلف.

ويتوقع أن يحظى أعضاء المنتخب في يوبيله الفضي بتكريم خاص من أعلى السلطات في البلاد، اعترافاً بجهادهم عندما كانت كرتهم «تتكلم» فعلاً قضية عادلة اسمها.. ثورة الجزائر.