سليمان الحكيم عليه السلام
ورث سليمان النبوة والملك من داود عليهما السلام فدعا الله قائلاً : ( رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدى ) " ص : 35 " . استجاب الله تعالي له فسخر له الريح تجرى بأمره وقتما يشاء ، وسخر له الشياطين يعملون بأمره ، وعلمه لغة الطير والحيوان ، وكان داود قد ترك جيشاً قوياً فأضاف إليه سليمان جيوشه من الطير والجن والوحوش ، وكانت الطيور تذهب لتستطلع له أخبار الحروب فتطير إلي جيوش الأعداء وتأتي له بأخبارهم . جيش سليمان جيش لا يقهر سخر الله له الجن فكانت تبني له القصور وتعمل له التماثيل والقدور ، كانت تغوص في أعماق البحار كما يغوص الآن الغواصون المهرة ، وتستخرج له المرجان واللؤلؤ ، والأحجار الكريمة ولم يكن هناك من الجن من يستطيع أن يتمرد علي أوامر سليمان ، وإلا قيده وحبسه . الهدهد وبلقيس خرج سليمان يتفقد الطير فلم ير الهدهد فسأل عنه ، وبعد فترة حضر الهدهد ووقف غير بعيد وقال له : ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) " النمل : 21 " . لقد وجدت امرأة تحكم قوماً يعبدون الشمس من دون الله الواحد الأحد قال له سليمان : سنرى إن كنت كاذباً أم صادقاً ، اذهب إلي هؤلاء القوم وألقي عليهم هذا الكتاب ثم انظر ماذا يفعلون . ألقي الهدهد كتاب سليمان علي بلقيس ملكة سبأ فجمعت الوزراء وكبار رجال دولتها وقرأت عليهم الكتاب ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلو علي وائتوني مسلمين ) " النمل : 29 ، 31 " . ثم طلبت منهم الرأي والمشورة ماذا تفعل ، فقالوا لها : نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ، ونستطيع أن نحاربهم ، ولكن الرأي لك والأمر بيدك . أحست أنهم يريدون حربه ، وكانت ملكة عاقلة حكيمة تقدر الأمور . فقالت لهم : سوف أرسل لهم بهدية فأنظر ماذا سيفعلون . وصلت هدية بلقيس إلي نبي الله سليمان ، وشاهد رسل بلقيس جيوش سليمان ومن الجن والإنس والطير والوحوش فتعجبوا وذهلوا ، وأكرمهم سليمان وضيفهم . ثم قال لهم : أتعطونني مالاً إن ما أعطانيه الله خير مما عندكم ، إنني لا أريد منكم إلا الإيمان بالله وترك ما تعبدون من دون الله . عاد الرسل إلي بلقيس فقصوا عليها ما راوه من عظمة سلطان وملك سليمان ، فقررت الذهاب إليه . علم سليمان أن بلقيس في طريقها إليه . فطلب من جنوده وقال لهم : أيكم يأتيني بعرشها ؟ قال عفريت من الجن : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . قال رجل صالح أتاه الله الحكمة عنده علم من الله تعالي : أنا آتيك به قبل أن تغمض عينيك وتفتحهما . ولم يكد ينهي كلمته حتى رأى سليمان العرش مستقراً أمامه . حمد سليمان الله كثيراً وشكره ثم أمرهم أن يغيروا لها العرش حتى ينظر هل ستعرفه ام لا ؟ ثم أمر جنوده من الجن أن يبنوا له قصراً جميلاً علي البحر وأرضيته من الزجاج السميك الشفاف حتى ترى الأسماك تسبح في الماء ، وترى الماء من تحت قدميها . فلما حضرت ورأت القصر تصورت أنها سوف تمشي علي الماء فخافت علي ملابسها ، فرفعتها قليلاً حتى لا تبتل من الماء . قال لها سليمان : إنه صرح ممرد من زجاج وليس ماء ، ثم سألها : أهذا عرشك ؟ ردت : كأنه هو . وكانت تنظر إلي العرش ، وتسأل نفسها كيف وصل إلي هنا ، وهي قد أغلقت عليه الأبواب ؟ وكيف وصل قبلها ؟ ومن الذي حمله إلي هنا ؟ فأدركت أن ما فيه سليمان من فضل هو عند الله الحق . دعاها سليمان إلي عبادة الله الواحد الخالق العظيم ، وترك عبادة الشمس المخلوقة من الله جل شأنه . دخل الإيمان قلبها لما رأت من آيات الله : ( قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) " النمل : 44 " . وذات يوم خرج سليمان وجنوده وأثناء سيرهم ، سمع سليمان نملة تطلب من زميلاتها أن يبتعدوا عن طريق سليمان وجنود حتى لا يدوسهم بأرجلهم ويموت النمل . فقالت : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) . سمع سليمان قول النملة وهي تأمر قومها بدخول مساكنهم ، فتبسم ضاحكاً من قولها ، ثم توجه إلي الله داعياً ومستغفراً وحامداً ربه علي نعمه عليه . أمر سليمان جنوده من الجن أن يبنوا له بناءً ضخماً . لما توفي سليمان كان الجن يعمل في البناء كما أمرهم سليمان ولكنهم لم يعلموا بموته ، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله . توفي سليمان وهو جالس في محرابه متكئاً علي عصاه ، وكان المحراب له باب من زجاج ، فلما أكلت دابة الأرض العصا ، سقط سليمان علي الأرض . عرفت الجن أنها لا تعلم الغيب ، ولو كانت تعلمه ما لبثت تعمل وهو ميت لا يدرى عنه أحد ، وما لبثت الجن في العذاب المهين . الدروس والعظات صمود إيمان سليمان وعقيدته أمام إغراء ما أرسلته له بلقيس لأن المال عرض زائل ، أما الإيمان والعلم فهما الباقيان . فضيلة التواضع . قول الهدهد لسليمان ( أحطت بما لم تحط به ) وسليمان عنده من العلم والحكمة الكثير ولكنه استمع للهدهد ولم يتكبر عليه ، بل أدرك أنه في الحياة ربما أعطي الله جل علاه مخلوقاً ضعيفاً علماً وحكمة |
الساعة الآن 10:36 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir