التصرف النبوي في الهجرة يعزز السببية:
قرار الهجرة من حيث المبدأ تأكيد على أصل الأخذ بالأسباب، فهي تحول من أرض إلى أرض أخرى في إطار البحث عن وطن آمن للدعوة، فلم يأمر الله نبيه بالبقاء بمكة وانتظار الخوارق والمعجزات، وكل ذلك في قدرته سبحانه، بل وجههم بالأخذ بالتدبير البشري الذي سيكون منهجا متبعا للمسلمين في سائر الظروف المشابهة.
وإذا أجملنا الأسباب المادية التي أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة لربما توهم القارئ بعد ذلك أنه قد بالغ في الأخذ بالأسباب، مع أن الله قد أعلمه بأنهم لن يخلصوا إليه، ويدل على ذلك تطمينه لأبي بكر، وكان في سيره لا يلتفت للطلب وراءه، ومع ذلك كان في مقام التشريع، فلا بد من التدبير الواعي الذي يجمع بين الإيمانيات الباطنة والأسباب الظاهرة، حتى تقتدي به أمته، وتنهج منهجه في شؤونها الدنيوية والأخروية.
|