عالم الجن
تعريف هذا العالم : يختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكـةو الانسان،فكل له مادتـه التي خلـق منها ، وصفاته التي يختلف بها عن الأخر، الا أن عالم
الجن يرتبط مع عالم الانس من حيـث صفـة الادراك وصفة العقل والقدرة علـى
اختيار طريق الخير والشر.
وأبو الجن هو ابليس كما أن أبو الانسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد
أخبرنا الله عز وجل عنهم أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـهم
من قبل من نار السموم ) وقوله عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد
فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم
ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب
المختلط بسواد النار " . أما الانسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه
( قـال مـا منعك ألا تسـجد اذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار
وخلقـته من طين) وفـي قـوله سبحانه (فاستفتهم أهم أشـد خلقـا أم منخلقنا اناخلقناهم من طين لازب ) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن
عائشة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال : " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق
الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الانسان
وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله عـز وجل( ولقد خلقنـاالانسان مـن حمـأمسنون *والجان خلقناه من قبل من نار السموم * ) .
أنواع الجن و أصنافهم
وينقسم الجن الى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم
قال : "الجن ثلاثة أصناف ، فصنف يطير فـي الهواء ، وصنـف حيـات وكـلاب،
وصنف يحلونويضعنون " رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي باسنـاد صحيـح.
وقد أمـرتالجن وكلفت كـما كلف الانسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الأيمـانوالطاعةوالـعبادة ، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ،فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن، وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه،يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء، مثلهم مثل الانسان والدليـل من قولـه
عزوجل( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). اذا هم خلـق من خلـق الله ومـن
ينكرهم فانه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـنينكرهـم قديمـاوحديثا . ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة
لمـا سيترتب علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهموأحوالهـم، وربنا وربهم الله .
تشكـل الجـن أو الشيطـانان من رحمةالله سبحانه و تعالى بخلقه من الانس ، أن جعل الشيطان و حزبه مـنالمردة والعفاريت و غيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـهسبحانهو تعالى يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، و قد تكون أعيـن البشـر و عقولهــم لاتستوعب البشاعة التي خلق عليها الشياطين .
هـل حقـا دخـول الجـن فيجسـد الانسـانبدأت العداوة بين الشيطان والانسان منـذ اللحظة التي خلقالله سبحانه وتعالى آدم عليهالسلام، بل من قبل ذلك عندما كان آدم عبارة عنجسد، وقبل أن تنفـخ فيه الـروح،فقد كان جثة هامدة من طين أتى اليه الشيطانفرآه أجوفا ، فكان يدخـل مـن فمـهويخرج من دبره ويدخل من أنفه ويخرج منأذنه وهو أجوف. و الشيء اذا كان أجوفافانه يكون غير متماسكا لذا كـان يقوللـه: ان لك لشأنا ولئن أمرت بك لأعصين ،ولئن سلطت عليك لأهلكنك. وقد وردفي صحيح مسلـم عن أنس أن رسول الله عليهوسلم قال:" لما صور الله آدم فيالجنة، تركه ما شاء الله أن يتركـه ، فجـعل ابليسيطيف به ،ينظر مـا هو ،فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتماسك " . وعندمـا نفخ
الله الروح في آدموأسجد الملائكة له ، أبي واستكبر وفضل نفسـه علـى آدم وهـوالذي كان منأعبدهم لله ، فغرته نفسه فكيف يسجد لهذا الذي خلق من طيـن فتعالـىعلى اللهولم ينفذ الأمر الذي صدر من الله له وللملائكة ، فاستجابت الملائكة وعاند هوورفض ذلك و استحق أن يطرد من رحمة الله وأن يخرجه الله من الجنة لأنها لايكونفيها متكبر متعال مـن خلق الله .فاذا علمنا هذا، علينا أن نعلم أنالأمر لم يتوقف عندهذا الحد ،فحسب بل تعداه الى ما هو أبعد مـن ذلك،وهو توعده لآدم وذريته بالاغواء
والاضلال و الاحتناك ، وانه سوف يأمرهم بتغييرخلق الله ، وقد أمهله الله عز وجلالي يوم البعث . ولله حكمة بالغة فـي ذلك ، و الا فان الله قادر على أن يهلكـه فـي
تلك اللحظة .لذا ذكر لنا اللهسبحانه هذا التفصيل في قوله عز وجل( قـال أرأيتك هذاالذي كرمـت عـلي لانأخرتن الـى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليـلا) . وفـيقوله( و لأضلنهـمو لأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق اللهومنيتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) . والآيات في هذا كثيرةجدا، فالعداوة حاصلة وستستمر ببقاء الدنيا لأن الشيطان يعتقد أن سبـب خروجهمنالجنة وطرده من رحمة الله انما كانت بسبب آدم وليس باستكباره واستعلاءه . فلذلـكسوف يستمر بالانتقام من ذرية آدم بعد أن كان هو سببا في خروجأبينا من الجنـة.
ولـو نظرنا نظرة متأمل لوجدنا أن الله ابتلى آدم بالشيطانوابتلى الشيطان بآدم حتىتملأ الجنـة بعبـاد الله المتقين وتملأ الناربالكفرة والمشركين والمنافقين والعاصين .
فلله في خلقه شؤون , وله الحكمةالبالغـة .
ولذلك نجد أن أول مسة يمس الشيطان فيها الانسان ساعة ولادته وهـذا ثابت بالدليل
ففي البخاري ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ :"كـل بني آدم يطعن الشيطان
في جنبيه باصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهبيطعن، فطعن في الحجاب".
وفـي البخاري أيضا " ما من بني آدم مولود الا يمسهالشيطان حين يولد ، فيستهـلارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها". والسبب في حماية مريم وعيسى أن الله
استجاب دعوة أم مريم( و اني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) . فهـذا أول
ايذاء للشيطان لأي مولود يولد من ذرية آدم. فكل هذه المقدمة والاستدلالات من الآيات
الواضحات والأحاديث النبوية الثابتات انما تمهيد للموضوع الرئيس في هذا الباب وهو
تلبس الشيطان في جسدالانسان وهو ما يسمى بالصرع. وقد تكلم فيـه الكثيرون مـنالعلماء خلفا عن سلف . وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج
الى قائدالمعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا فـي عهده ؟ فهوقدوةالناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . فما ثبت في عهده فهـو الحقالمسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح .
نعم لقد حصل ذلك في عهد النبيصلى الله عليه وسلم في اكثر من مـرة ودليـل منحفظ أقوى على من لم يحفظ . ففي سنـن أبى داود ومسند أحمد ( عـن أم أبان بنتالوازع بن زارع بن عامرالعبدى ، عن أبيها ، أن جـدها الزارع انطلـق الى رسولالله صلى الله عليهوسلم ،فانطلقمعه بابن له مجنون ، أو ابن أخت له مجنون ، قالجدي : فلماقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ان معي ابنا لي أو ابنأختمجنون ، أتيتك به تدعو الله له ، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو فيالركاب فأطلقت عنه ، وألقيت عنه ثياب السفر ، وألبسته ثوبين حسنين، و اخذتبيدهحتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : " أدنوه مني ،اجعـل ظهرهممـا يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه و أسفله ، فجعـل يضربظهره حتى رأيتبياض ابطيه، و يقول : " اخرج عدو الله ،اخرج عدو الله" ، فأقبل ينظر نظر الصحيحليس بنظره الأول . ثم أقعده رسول الله ، صلى اللهعليه و سلم، بين يديه ، فدعا لـهبماء فمسح وجهـه و دعـا له فلم يكن فيالوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى اللهعليه وسلم – يفضل عليه . و في مسندالأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيتمن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي ، و لا يراها أحد بعدىلقد خرجت معه في سفر حتىاذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معهـا صبيلها ، فقالت يا رسولالله : هذا الصبي أصابه بلاء و أصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوملا أدري كـممرة ، قال : " ناوليني " فرفعته اليه ، فجعله بينه و بين واسطة الرحلثمفغر، فاه ، فنفث فيه ثلاثا، و قال : " بسم الله ، انا