[align=center][tabletext="width:70%;background-color:white;border:9px double red;"][cell="filter:;"][align=center]
2__تكملت:
إخفاق:السردفي ظل ألإنفجارالروائي))
حديثنا مُنْصَبٌّ على إخفاق السرديات الإبداعية في كثير من سماتها، وخصائصها، ومحققاتها. على الرغم من أن الزمن [زمن الرواية] كما يدعي النقاد النافذو الرأي، والمتشايلون مع من حولهم، ممن هم مغرمون بالمستجد، دون النظر في مواءمته لذوائقنا، وقيمنا، وأدبنا.
مشاهد الأدب، والنقد في عالمنا العربي تكاد تنقطع للسرديات: إبداعاً، ودراسة تميل كل الميل مع المستجد، في حين تذر التراث كالمعلقة.
جاء ذلك بعد الضعف الذي اعترى [سلطان الشعر]. وهو عارض آزره المبهورون بالمنجز الغَرْبي.
فالأعمال الروائية تملأ الرحب. والمراكز، والهيئات الأدبية، وسائر المؤسسات الثقافية، مفتحة الأبواب لكل من يخط بيمينه. فما من ساعة إلا ونشهد فيها [تدشين] عمل روائي، أو فوز عمل آخر بجائزة. أو تألق كاتب مغمور وسط عجاجة من المكاء، والتصدية.
وسواد النقاد يلهثون وراء تلك العجاجة بحثاً عن موطئ قدم، أو إثبات حضور على أي شكل من الأشكال.
حب الأضواء، والظهور هما المحرك الرئيس للكثير من الكتاب الذين يسمون أنفسهم بالنقاد، وماهم من النقد في شيء، ولكن الأجواء خلت لهم، فأكثروا فيها من إفساد الأذواق.
النقد موهبة، وهواية. دِرْبَةٌ، وَدِرَايةٌ، ومعرفة عميقة بأصول الأدب، وتطبيق عملي، ينبئ عن ذوق، واقتدار. إنه التزام بكافة القيم.
ومن ثم فليس كل من حمل القلم، وأسال لعابه على الورق يكون ناقداً.
ومتى توفرت كافة متطلبات النقد، فإن الناقد بمنزلة [الحكم] بين أطراف متنازعين، تلزمه المعرفة، والفراسة، والعدل، واحترام المواقف النبيلة، بحيث لا تأخذه بالحق لومة لائم.
الناقد الحق من يمتلك محققات المهمة النقدية. إذ ما أفْسد الذوائق، وربك المشاهد إلا المجاملون، المشايلون، الأضوائيون، الأدعياء.
ولو انبرى لحماية المشاهد نقاد شرفاء مقتدرون، لما كانت الإخفاقات الموجعة بهذا القدر.
وإذا كنا بحاجة إلى من يحرس الفضيلة، ويذور ضعاف الإيمان عن حمى الله، فإننا أحوج مانكون إلى نقاد يحمون حمى الأدب المستباح بكل أبعاده: الشكلية، واللغوية، والفنية، والأخلاقية، والدلالية.
[الرواية] بضوابطها الغربية تسيطر على المشهد الأدبي، سيطرة الشعر في سائر عصور الأزدهار. لقد صال، وجال لأنَّه مصدر الشاهد: النحوي، والصرفي، والبلاغي، واللغوي. وهو الخطاب الأدبي، والبلاغي، والإبلاغي للخلفاء، والقادة. وهو كنف القيم الأخلاقية، والشاغل الوحيد للأدباء، والنقاد على حد:-
أَنَامُ مِلْء جُفُونِي عَنْ شَوَارِدِها ... وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرَّاهَا وَيَخْتَصِمُوا
ولسنا بصدد استيفاء عوالم [الشعر، والشعراء]، ولكننا نود أن نشير إلى أن الأمة في راهنها ملئت شواهدها بالبدائل الإعلامية، التي أغنت القصور، والدور عن صوت الشاعر. وساعد على ذلك ضعف الملكات، والمدركات، وفساد الأذواق، وتفشي العامية، وضعف التعليم، وغياب التراث.
كل ذلك مهد للرواية، وأحلها مركز الصدراة، وقيض لها لفيفاً من أدعياء النقد الذين وجدوا فيها مجالاً للحضور، والشهرة الزائفة.
وظنهم الذي أرداهم تصورهم أن الرواية مجرد إنشاء مترهل، وحشد للأحداث، والمُحْدِثين. وهذا أفقدها إمكانية أن تكون بديلاً مناسباً للشعر، تحمل مايحمله من حفظ للغة، والفن، والمعاني السامية، والوجوه البلاغية، والسمات الأدبية. والحق أنها خيبت الآمال.
لقد جاءت مُعَلَّفَةً إنشائية، قَاعِدةً بتسطحها، يفيض كَيْلُها باللغة الرديئة، والمعاني المسفة، والتسيب الفني، عاجزة عن النهوض بمهمة الشعر الجمالية.
ويكفي انعدام [أدبية النص] القائمة على لغة الشعر المتعالية. لقد ظهر مصطلح [الشعرية]. وهو مصطلح لو أُخِذ بحقه لحفظ لِشَعْرِ [مابعد الحداثة] شيئاً من سمات الشعر الصحيح، ولكنه طُرِح كمنقذ لفوضى التنازع حول [مفهوم الشعر] ولم يَعِه المستهدفون به، وإذ فَقَد الشعر [الشِّعْريَّة]، فقدت الرواية [الأدبية] النصية. وبين هذين تضعضع الفن.
وأصيب [عالم الرواية] بما أصيب به [عالم الشعر]. لقد تمرد الشباب، ومشايلوهم على كل شيء، تمردوا على اللغة، وجاؤوا بلغة رديئة، متردية في وحل العامية، إضافة إلى الوضوح، والمباشرة، والتفكك، والأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، والركاكة الأسلوبية. كما تمردوا على الأشكال.
للفن لغة لايؤتاها إلا الموهوبون، وفقدها يُنْهْي العمل، ويدينه. ودعك من فَقْدِ[أركان الرواية] من زمان، ومكان، وأحداث، وشخصيات، وبناء مكتمل الأهلية.
وفوق ذلك كله الالتزام الأخلاقي، واحترام الأذواق، والصدق الفني، وتفادي العهر، والكفر الذي قد يقع فيه البعض دون وعي.
لقد تجرأ بعض السرديين على ثوابت الأمة، ومسلماتها، تحت ذريعة [الحرية] غير المنضبطة. وأي عمل إبداعي لايحترم ذائقة الأمة، وثوابتها يعد عملاً ساقطاً لاقيمة له. فكيف إذا تراكمت الإخفاقات، وتعددت المآخذ، وَوُجِدَ من يدافع عن ذلك:- {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
[العمل الروائي] سيد السرديات، وإخفاقه مؤذن بسقوط سائرها. واحتراماً للمصداقية، نستثني أعمالاً روائية، ومبدعين سرديين، كان لهم قدَم صدق في تلك العوالم، وبخاصة [السرديات السِّيْرِيَّةِ].
ولكن ذلك التألق النسبي لايحول دون كلمة الحق، للحيلولة دون الوقوع في دَرَك الإخفاقات الذريعة.
ما أود الإشارة إليه كعامل من عوامل الإخفاق وجود [تيارات فكرية] اتشحت بألبسة خادعة، أضلت المشهد، كما [السامري]. كالمناهج [الشكلانية]، و[الحداثوية].
لقد تدافع الأدباء، والنقاد وراء هذه المستجدات دون وعي، أو حساب دقيق يحفظ للإبداع محققاته، ولـ[أدبنا العربي] خصوصياته.
إذ لكل حضارة فنها، ولكل أمة أدبها، ولكل جيل ذوائقة. ومن أخطأ التقدير، والتدبير جرفه تيار التغريب، ودخل مرحلة المسخ، متلبساً بحجج واهية، ومبررات ضعيفة.
وكم هو الفرق بين أن نهضم الآخر، ليكون نسيجاً في كياننا، أو يهضمنا الآخر، لنكون شامة في كيانه.
مالا ننكره ظاهرة [الاستغراب] المتمثلة بعودة المبتعثين الذين خرجوا من ديارهم دون تأصيل. وعادوا، وقد أتخموا بمعارف الغير، فما كان منهم إلا أن أحلوا مكتسبهم محل موروثهم.
ولأن الغرب يَقْدُم العالم في تنوع [السرديات]: إبداعاً، وتنظيراً، وتطبيقاً، فقد اقتفوا أثره، وتمثلوا أدبه.
كل ذلك هيأ الأجواء لكافة السرديات القصصية، والروائية، والسيرية. ومكن لها في المشاهد، وأغرى الشباب المبتدئين بالارتماء في أحضانها، والقول بما قالت [حَذَامِ].
[الرواية] كـ [الشعر] بل هي أصعب مُرْتَقَى. إنها تحتاج إلى [موهبة]، و[ثقافة]، و[تجربة]، وإتقان فني، ولغوي. اللغة بناء، والإعجاز القرآني في نظمه لا في مفرداته، والسرديات بناء أسلوبي.
والشباب الذين اقتحموا عوالمها، ينقص بَعْضَهم بعضُ تلك المقومات. ثم إن [الرواية] تستمد ألقها من [التجارب] المتعددة، لأنها تروي أحداثاً لا للعلم، ولكن للتأمل، والإقتداء. والشباب لم تكتمل عندهم تلك الخاصية، ومن ثم يصاب العمل الروائي عندهم بالتسطح، ويزخر بالمغامرات الفجة، والمحاكاة البلهاء.
التدني الأخلاقي من سمات العمل الروائي، ولقد يمهد لهذا تعلق الشباب بالمتغيرات السلوكية التي نفذت إليهم عبر وسائل الإعلام، أو شاهدوها، أوعاشها بعضهم في أسفارهم.
والرواية الغربية المتوسلة بأدب الاعتراف، والتمرد، والحرية السلوكية، أمدت [الرواية العربية] بكافة أوضارها، وشرعنت لها حرية التفكير، والتعبير. والإسلام يطلق حرية التفكير، ويأطر حرية التعبير. هذه الأسوة السيئة هيمنت على الرواية العربية.
أربع روايات شبابية على - سبيل المثال - ترى شخصياتُها المختلقة أن الحبَّ المتبادل بين شاب، وفتاة يُشَرْعِنُ للتلاقي، والخلوة، وتبادل أنخاب الحب، ويرى أن الاعتراض على شيء من ذلك تَدَخُّلٌ سافر في الحريات الشخصية، وبخاصة حين يتم ذلك من [رجال الهيئة].
بعض الدارسين يرون أن التألق، والندية التي حققتها الرواية مرده إلى البوح بالرذيلة، بوصفه جزءاً من الواقع، والتوسل بالعامية بوصفها لغة الشخصيات الروائية. ولهذا ركز الروائيون على ذلك، ولكنهم أخطؤوا الطريق.
لقد برروا للخطيئة، وفهموا الحرية الشخصية على غَيْر وجهها الشرعي، واستفزوا الرأي العام، لأنهم يبررون للخطيئة، ولايعرضونها بالشكل التربوي، كما حصل في [قصة يوسف] في القرآن الكريم. لقد عرض للرذيلة ليدحضها بالموقف النبيل من [يوسف]:- {مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}.
إخفاق السرديات عامة مرده إلى ضعف الوعي، وضعف المدركات، وفهم الواقع على أنه البوح بالمعلوم، والممارس.
ومالم ينهض [النقد الأدبي]، من كبوته، ويمارس وظيفته التقويمية، الإرشادية، التعليمية ظلت السرديات في ترديها، وفَقَدَ الأدبُ شَطريه المكونين له :- الشعر، والسرد. وساعتها تفقد المشاهد الأدبية: شعرية الكلمة، وأدبية السرد.
لا أقول هذا من باب التشاؤم، والظلامية، ولكنه الواقع المرير. نحن أمة الكلمة الشاعرة، الأدبية. وعمقنا الأدبي يسبق كُلَّ الأعماق. ولغتنا من أعرق اللغات، وأدومها. ونحن أهل البيان، والفصاحة. ومن ثم لامجال للركاكة، والعامية، والتسطح.
السرديات لاتغرف من بحر، ولا تنحت من صخر إنها {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ}.
*************************
تشكرات كثيرات
ألأربعــــــــــــآآآء
27شوال1439هـــــ..
منصور!!
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]