الموضوع: ...جمع القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2007, 03:42 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
مشرف

إحصائية العضو








نهى will become famous soon enough

 

نهى غير متصل

 


كاتب الموضوع : نهى المنتدى : :: المنتدى الاسلامي ::
افتراضي

9- الكلام المنسوخ



النسخ فى اللغة هو الإزالة والمحو ، يقال: نسخت الشمسُ الظلَّ ، يعنى أزالته ومحته ، وأحلت الضوء محله.
ثم تطورت هذه الدلالة فأصبح النسخ يطلق على الكتابة ، سواء كانت نقلاً عن مكتوب ، أو ابتدأها الكاتب بلا نقل.
والنُّساخ أو الوراقون هم جماعة من محترفى الكتابة كانوا ينسخون كتب العلماء (ينقلون ما كتب فيها فى أوراق جديدة فى عدة نسخ ، مثل طبع الكتب الآن).
أما النسخ فى الشرع فله عدة تعريفات أو ضوابط ، يمكن التعبيرعنها بالعبارة الآتية:
" النسخ هو وقْفُ العمل بِِحُكْمٍٍ أَفَادَه نص شرعى سابق من القرآن أو من السنة ، وإحلال حكم آخر محله أفاده نص شرعى آخر لاحق من الكتاب أو السنة ، لِحكمة قصدها الشرع ، مع صحة العمل بحكم النص السابق ، قبل ورود النص اللاحق والنسخ موجود بقلة فى القرآن الكريم ، مثل نسخ حبس الزانيات فى البيوت حتى الموت ، وإحلال الحكم بالجلد مائة ، والرجم حتى الموت محل ذلك الحبس.
النسخ و وروده فى القرآن ، على أن القرآن ليس وحياً من عند الله. ونذكر هنا عبارة لهم صوَّروا فيها هذه الشبهة:
" القرآن وحده من دون سائر الكتب الدينية ، يتميز بوجود الناسخ والمنسوخ فيه ، مع أن كلام الله الحقيقى لا يجوز فيه الناسخ والمنسوخ ؛ لأن الناسخ والمنسوخ فى كلام الله هو ضد حكمته وصدقه وعلمه ، فالإنسان القصير النظر هو الذى يضع قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب ما يبدو له من أحوال وظروف.
لكن الله يعلم بكل شئ قبل حدوثه. فكيف يقال إن الله يغير كلامه ويبدله وينسخه ويزيله ؟
ليس الله إنساناً فيكذب ، ولا ابن إنسان فيندم ؟!
* الرد على هذه الشبهة:
نحن لا ننكر أن فى القرآن نسخاً ، فالنسخ موجود فى القرآن بين ندرة من الآيات ، وبعض العلماء المسلمين يحصرها فيما يقل عن أصابع اليد الواحدة ، وبعضهم ينفى نفياً قاطعاً ورود النسخ فى القرآن.
أما جمهور الفقهاء ، وعلماء الأصول فيقرونه بلا حرج ، وقد خصصوا للنسخ فصولاً مسهبة فى مؤلفاتهم فى أصول الفقه ، قل من لم يذكره منهم قدماء ومحدثين. والذى ننكره كذلك أن يكون وجود النسخ فى القرآن عيباً أو قدحاً فى كونه كتاباً منزلاً من عند الله. ذلك ظن الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار.
إن الناسخ والمنسوخ فى القرآن ، كان إحدى السمات التربوية والتشريعية ، فى فترة نزول القرآن ، الذى ظل يربى الأمة ، وينتقل بها من طور إلى طور ، وفق إرادة الله الحكيم ، الذى يعلم المفسد من المصلح ، وهو العزيز الحكيم.
أما ما ذكرتموه من آيات القرآن ، ساخرين من مبدأ الناسخ والمنسوخ فيه فتعالوا اسمعوا الآيات التى ذكرتموها فى جداول المنسوخ والناسخ وهى قسمان:
أحدهما فيه نسخ فعلاً (منسوخ وناسخ).
وثانيهما لا ناسخ فيه ولا منسوخ فيه ، ونحن نلتمس لكم العذر فى هذا " الخلط " لأنكم سرتم فى طريق لا تعرفون كيفية السير فيه.
القسم الأول: ما فيه نسخ:
من الآيات التى فيها نسخ ، وذكروها فى جدول الناسخ والمنسوخ الآيتان التاليتان: (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ).
ثم قوله تعالى: (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله 000 ) (5).
هاتان الآيتان فيهما نسخ فعلاً ، والمنسوخ هو حكم الحبس فى البيوت للزانيات حتى يَمُتْنَ ، أو يجعل الله لَهُنَّ حكماً آخر.
وكان ذلك فى أول الإسلام. فهذا الحكم حكم حبس الزانية فى البيت ، حين شرعه الله عز وجل أومأ فى الآية نفسها إلى أنه حكم مؤقت ، له زمان محدد فى علم الله أزلاً. والدليل على أن هذا الحكم كان فى علم الله مؤقتاً ، وأنه سيحل حكم آخر محله فى الزمن الذى قدره الله عز وجل هو قوله: (أو يجعل الله لهن سبيلاً (. هذا هو الحكم المنسوخ الآن وإن كانت الآية التى تضمنته باقية قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.
أما الناسخ فهو قوله تعالى فى سورة "النور" فى الآية التى تقدمت ، وبين الله أن حكم الزانية والزانى هو مائة جلدة ، وهذا الحكم ليس عامّا فى جميع الزناة. بل فى الزانية والزانى غير المحصنين. أما المحصنان ، وهما اللذان سبق لهما الزواج فقد بينت السنة قوليًّا وعمليًّا أن حكمهما الرجم حتى الموت.
وليس فى ذلك غرابة ، فتطور الأحكام التشريعية ، ووقف العمل بحكم سابق ، وإحلال حكم آخر لاحق محله مما اقتضاه منهج التربية فى الإسلام.
ولا نزاع فى أن حكم الجلد فى غير المحصنين ، والرجم فى الزناة المحصنين ، أحسم للأمر ، وأقطع لمادة الفساد.
وليس معنى هذا أن الله حين أنزل عقوبة حبس الزانيات لم يكن يعلم أنه سينزل حكماً آخر يحل محله ، وهو الجلد والرجم حاشا لله.
والنسخ بوجه عام مما يناسب حكمة الله وحسن تدبيره ، أمَّا أن يكون فيه مساس بكمال الله. فهذا لا يتصوره إلا مرضى العقول أو المعاندين للحق الأبلج الذى أنزله الله وهذا النسخ كان معمولاً به فى الشرائع السابقة على شريعة الإسلام.
ومن أقطع الأدلة على ذلك ما حكاه الله عن عيسى عليه السلام فى قوله لبنى إسرائيل: (ولأحل لكم بعض الذى حُرِّم عليكم).
وفى أناجيل النصارى طائفة من الأحكام التى ذكروها وفيها نسخ لأحكام كان معمولاً بها فى العهد القديم.
ومثيروهذه الشبهات ضد القرآن يعرفون جيداً وقوع النسخ بين بعض مسائل العهد القديم والعهد الجديد. ومع هذا يدعون بإصرار أن التوراة والأناجيل الآن متطابقان تمام الانطباق.
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان الآتيتان:
(يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون).
وقوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين).
والآيتان فيهما نسخ واضح. فالآية الأولى توجب مواجهة المؤمنين لعدوهم بنسبة (1: 10) ، والآية الثانية توجب مواجهة المؤمنين للعدو بنسبة (1: 2).
وهذا التطور التشريعى قد بين الله الحكمة التشريعية فيه ، وهى التخفيف على جماعة المؤمنين فى الأعباء القتالية فما الذى يراه عيباً فيه خصوم الإسلام ؟
لو كان هؤلاء الحسدة طلاب حق مخلصين لاهتدوا إليه من أقصر طريق ، لأن الله عزوجل لم يدع مجالاً لريبة يرتابها مرتاب فى هاتين الآيتين. لكنهم يبحثون عن " العورات " فى دين أكمله الله وأتم النعمة فيه ، ثم ارتضاه للناس ديناً.
وقد قال الله فى أمثالهم:
(ولو نزلنا عليك كتاباً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) .
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان الآتيتان:
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج...) .
وقوله تعالى:(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً...) .
أجل ، هاتان الآيتان فيهما نسخ ؛ لأن موضوعهما واحد ، هو عدة المتوفى عنها زوجها.
الآية الأولى: حددت العدة بعام كامل.
والآية الثانية: حددت العدة بأربعة أشهر وعشر ليال.
والمنسوخ حكماً لا تلاوة هو الآية الأولى ، وإن كان ترتيبها فى السورة بعد الآية الثانية.
والناسخ هو الآية الثانية ، التى حددت عدة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر ليال ، وإن كان ترتيبها فى السورة قبل الآية المنسوخ حكمها.
وحكمة التشريع من هذا النسخ ظاهرة هى التخفيف ، فقد استبعدت الآية الناسخة من مدة العدة المنصوص عليها فى الآية المنسوخ حكمها ثمانية أشهر تقريباً ، والمعروف أن الانتقال من الأشد إلى الأخف ، أدعى لامتثال الأمر ، وطاعة المحكوم به.. وفيه بيان لرحمة الله عز وجل لعباده. وهو هدف تربوى عظيم عند أولى الألباب.
القسم الثانى:
أما القسم الثانى ، فقد ذكروا فيه آيات على أن فيها نسخاً وهى لا نسخ فيها ، وإنما كانوا فيها حاطبى ليل ، لا يفرقون بين الحطب ، وبين الثعابين ، وكفى بذلك حماقة.
وها نحن نعرض نموذجين مما حسبوه نسخاً ، وهو أبعد ما يكون عن النسخ.
النموذج الأول:
(لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى).
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
زعموا أن بين هاتين الآيتين تناسخاً ، إحدى الآيتين تمنع الإكراه فى الدين ، والأخرى تأمر بالقتال والإكراه فى الدين وهذا خطأ فاحش ، لأن قوله تعالى (لا إكراه فى الدين) سلوك دائم إلى يوم القيامة.
والآية الثانية لم ولن تنسخ هذا المبدأ الإسلامى العظيم ؛ لأن موضوع هذه الآية " قاتلوا " غير موضوع الآية الأولى: (لا إكراه فى الدين).
لأن قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) له سبب نزول خاص. فقد كان اليهود قد نقضوا العهود التى أبرمها معهم المسلمون. وتآمروا مع أعداء المسلمين للقضاء على الدولة الإسلامية فى المدينة ، وأصبح وجودهم فيها خطراً على أمنها واستقرارها. فأمر الله المسلمين بقتالهم حتى يكفوا عن أذاهم بالخضوع لسلطان الدولة ، ويعطوا الجزية فى غير استعلاء.
أجل: إن هذه الآية لم تأمر بقتال اليهود لإدخالهم فى الإسلام. ولو كان الأمر كذلك ما جعل الله إعطاءهم الجزية سبباً فى الكف عن قتالهم ، ولاستمر الأمر بقتالهم سواء أعطوا الجزية أم لم يعطوها ، حتى يُسلموا أو يُقتلوا وهذا غير مراد ولم يثبت فى تاريخ الإسلام أنه قاتل غير المسلمين لإجبارهم على اعتناق الإسلام.
ومثيرو هذه الشبهات يعلمون جيداً أن الإسلام أقر اليهود بعد الهجرة إلى المدينة على عقائدهم ، وكفل لهم حرية ممارسة شعائرهم ، فلما نقضوا العهود ، وأظهروا خبث نياتهم قاتلهم المسلمون وأجلوهم عن المدينة.
ويعلمون كذلك أن النبى (عقد صلحاً سِلْمِيًّا مع نصارى تغلب ونجران ، وكانوا يعيشون فى شبه الجزيرة العربية ، ثم أقرهم عقائدهم النصرانية وكفل لهم حرياتهم الاجتماعية والدينية.
وفعل ذلك مع بعض نصارى الشام. هذه الوقائع كلها تعلن عن سماحة الإسلام ، ورحابة صدره ، وأنه لم يضق بمخالفيه فى الدين والاعتقاد.
فكيف ساغ لهؤلاء الخصوم أن يفتروا على الإسلام ما هو برئ منه ؟
إنه الحقد والحسد. ولا شىء غيرهما ، إلا أن يكون العناد.
النموذج الثانى:
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) .
(إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
والآيتان لا ناسخ ولا منسوخ فيهما. بل إن فى الآية الثانية توكيداً لما فى الآية الأولى ، فقد جاء فى الآية الأولى: " فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما "
ثم أكدت الآية الثانية هذا المعنى: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)فأين النسخ إذن ؟.
أما المنافع فى الخمر والميسر ، فهى: أثمان بيع الخمر ، وعائد التجارة فيها ، وحيازة الأموال فى لعب الميسر " القمار " وهى منافع خبيثة لم يقرها الشرع من أول الأمر ، ولكنه هادنها قليلاً لما كان فيها من قيمة فى حياة الإنسان قبل الإسلام ، ثم أخذ القرآن يخطو نحو تحريمها خطوات حكيمة قبل أن يحرمها تحريماً حاسماً ، حتى لا يضر بمصالح الناس.
وبعد أن تدرج فى تضئيل دورها فى حياة الناس الاقتصادية وسد منافذ رواجها ، ونبه الناس على أن حسم الأمر بتحريمها آتٍ لا محالة وأخذوا يتحولون إلى أنشطة اقتصادية أخرى ، جاءت آية التحريم النهائى فى سورة المائدة هذه: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) هذه هى حقيقة النسخ وحكمته التشريعية ، وقيمته التربوية ومع هذا فإنه نادر فى القرآن.


10- الكلام الغريب



فى القرآن كثير من الكلمات الغريبة ، وهاكم بعضاً منها: فاكهةً وأبًّا ، غسلين ، حنانا ، أوَّاه ، الرقيم ، كلالة ، مبلسون ، أخبتوا ، حنين ، حصحص ، يتفيؤا ، سربا ، المسجور ، قمطـرير ، عسعس ، سجيل ، الناقور ، فاقرة ، استبرق ، مدهامتان..
ونحـن نسـأل: أليسـت هــذه الألفـاظ الغريبة مخـالفة للسـليم من الإنشاء.. ؟!
* الرد على هذه الشبهة:
لا وجود فى القرآن لكلمة واحدة من الغريب حقًا ، كما يعرفه اللغويون والنقاد.
فالغريب ـ الذى يعد عيباً فى الكلام ، وإذا وجد فيه سلب عنه وصف الفصاحـة والبلاغـة ـ هو ما ليس له معنى يفـهم منـه على جهة الاحتمال أو القطع ، وما ليس له وجود فى المعاجم اللغوية ولا أصل فى جذورها.
والغريب بهذا المعنى ليس له وجود فى القرآن الكريم ، ولا يحتج علينا بوجود الألفاظ التى استعـملت فى القرآن من غير اللغة العربية مثل: إستبرق ، وسندس ، واليم ، لأن هذه الألفاظ كانت مأنوسة الاستعمال عند العرب حتى قبل نزول القرآن ، وشائعة شيوعاً ظاهراً فى محادثاتهم اليومية وكتاباتهم الدورية.
وهى مفردات وليست تراكيب. بل أسماء مفردة لأشخاص أو أماكن أو معادن أو آلات.
ثم إنها وإن لم تكن عربية الأصل ، فهى ـ بالإجماع ـ عربية الاسـتعمال. ومعـانيها كانت ـ وما تزال ـ معـروفة فى القـرآن ، وفى الاستعمال العام.
ومنها الكلمات التى ذكروها مما هو ليس عربيًّا ، مثل:غسلين ، ومعناها: الصديد ، أى صديد أهل النار ، وما يسيل من أجسادهم من أثر الحـريق ، ولما كان يسيل من كل أجسامهم شبه بالماء الذى يُغسَل به الأدران. أما بناؤه على: فعلين فظاهر أنه للمبالغة. ومثل: " قمطريرا " ومعناها: طويلاً ، أو شديداً. ومثل: " إستبرق " ومعناهـا: الديباج. وهكذا كل ما فى القرآن من لغة غير عربية الأصل فهى عربية الاستعمال بألفاظها ومعانيها. وكانت العرب تلوكها بألسنتها قبل نزول القرآن.
واستعـارة اللغات من بعضـها من سنن الاجـتماع البشرى ودليل على حيوية اللغة. وهذه الظاهرة فاشية جداً فى اللغات حتى فى العصر الحديث. ويسميها اللغويون بـ " التقارض " بين اللغات ، سواء كانت لغات سامية أو غيرها كالإنجليزية والألمانية والفرنسية وفى اللغة الأسبانية كلمات مستعملة الآن من اللغة العربية.
أما مااقترضته اللغة العربية من غيرها من اللغات القديمة أو ما له وجود حتى الآن فقد اهتم به العلماء المسلمون ونصوا عليه كلمة كلمة ، وأسـموه بـ " المعـرَّب " مثل كتاب العلامة الجواليقى ، وقد يسـمونه بـ " الدخيل " هذا بالنسبة لما ذكروه من الكلمات غير العربية الأصل ، التى وردت فى القرآن الكريم.
أما بقية الكلمات فهى عربية الأصل والاستعمال ولكن مثيرى هذه الشبهات قوم يجهلون فكلمة " حنان " لها جذر لغوى عربى ، يقال: حنَّ ، بمعنى. رق قلبه ومال إلى العطف على الآخرين. والمضارع: يحن والمصدر: الحنان والحنين ، وقد يستعملان استعمال الأسماء.
ومنه قول الشاعر:
حننت إلى ريَّا ونفسك باعـدت * مزارك من رياء ونفساكما معا
وأما " أوَّاه " فهو اسـم فاعـل من " التـأوُّه " على صيغـة المبالغة " فعَّال ".
وكذلك " حصحص " ومعناه: ظهر وتبيَّن.
ومنه قـول الشــاعر العـربى القديم:
من مُبْلغٌ عنى خِداشاً فإنـه * كذوب إذا ما حصحص الحق كاذب
أما الناقـور فهو اسـم من " النقر " كالفاروق من الفراق.
وحتى لو جارينا هؤلاء الحاقدين ، وسلمنا لهم جدلاً بأن هذه الكلمات غريبة ؛ لأنها غير عربية ، فإنها كلمات من " المعرَّب " الذى عرَّبه العرب واستعملوه بكثرة فصار عربياً بالاستعمال. ومعانيه معروفة عند العرب قبل نزول القرآن. وما أكثر الكلمات التى دخلت اللغة العربية ، وهجر أصلها وصارت عربية. فهى إذن ـ ليست غريبة ، لإن الغريب ما ليس له معنى أصلاً ، ولا وجود له فى المعاجم اللغوية ، التى دونت فيها ألفاظ اللغة.

قد يقـال: كيف تنكـرون " الغريب " فى القرآن ، وهو موجود باعتراف العلماء ، مثل الإمام محمد بن مسلم بن قتيبة العالم السنى ، فقد وضع كتاباً فى " غريب القرآن " وأورده على وفق ما جاء فى سور القرآن سورة سورة ؟
وكذلك صنع السجستانى وتفسيره لغريب القرآن مشهور.
ومثله الراغب الأصفهانى فى كتابه " المفردات " فى شرح غريب القرآن.
ثم الإمام جلال الدين السيوطى ، العالم الموسوعى ، فله كتاب يحمل اسم " مبهمات القرآن ".
ألا يُعد ذلك اعترافاً صـريحاً من هؤلاء الأئمة الأفذاذ بورود الغريب فى القرآن الكريم ؟ ومن العلماء المحدثين الشيخ حسنين مخلوف ، مفتى الديار المصـرية فى النصف الأول من القـرن العشـرين ، وكتـابه " كلمات القرآن" لا يجهله أحد .
كما أن جميع مفسرى القرآن قاموا بشرح ما رأوه غريباً فى القرآن. فكيف يسوغ القول ـ الآن ـ بإنكار وجود الغريب فى القرآن أمام هذه الحقائق التى لا تغيب عن أحد ؟
من حق غير الملم بفقه هذه القضية ـ قضية الغريب ـ أن يسألوا هذا السؤال ، ومن واجبنا أن نجيب عليه إجابة شافية وافية بعون الله وتوفيقه.
والجـواب:
هذا السؤال جدير بأن نستقصى جوانب الإجابة عليه لوجاهته وأهميته. فنقول مستمدين الهداية والتوفيق من الله العلى الحكيم.
فأولاً: إن الغـريب الذى نسـب فى كـتب العـلماء ـ رضى الله عنهم ـ إلى القرآن ، إنما هو غريب نسبى وليس غريباً مطلقاً.
فالقرآن فى عصر الرسالة ، وعصر الخلفاء الراشدين كان مفهوماً لجميع أصحاب رسول. صلى الله عليه وسلم
ولم يرد فى رواية صحيحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب عنهم فهم ألفاظ القرآن من حيث الدلالة اللغوية البحتة ، وكل ما وردت به الرواية أن بعضهم سأل عن واحد من بضعة ألفاظ لا غير. وهى روايات مفتقرة إلى توثيق ، وقرائن الأحوال ترجح عدم وقوعها ، والألفاظ المسئول عنها هى:
غسلين ، قسورة ، أبَّا ، فاطر ، أوَّاه ، حنان. وقد نسبوا الجهل بمعانى هذه الكلمات إما إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ، وإما إلى ابن عباس رضى الله عنهما ، وكلا الرجلين أكبر من هذه الاتهامات.
ومما يضعف إسناد الجهل إلى عمر رضى الله عنه ، بمعنى كلمة " أبًّا " أن عمر كما تقـول الرواية سأل عن معـناها فى خـلافته ، مع أن سـورة " عبس " التى وردت فيها هذه الكلمة من أوائل ما نزل بمكة قبل الهجرة ، فهل يُعقَلُ أن يظل عمر جاهلا بمعنى " أبًّا " طوال هذه المدة (قرابة ربع قرن) ؟
أما ابن عباس رضى الله عنه فإن صحت الرواية عنه أنه سأل عن معانى " غسلين " و " فاطر " فإنه يحتمل أنه سأل عنها فى حداثة سنه. ومعروف أن ابن عباس كان معروفاً بـ " ترجمان القرآن " ومعنى هذا أنه كان متمكناً من الفقه بمعانى القرآن ، وقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له قائلاً: [اللهم فقهه فى الدين ، وعلمه التأويل].
هذا فيما يتعلق بشأن الروايات الواردة فى هذا الشأن.
أما فيما يتعـلق بالمؤلفات قديماً وحديثاً حول ما سمى بـ " غريب القرآن " فنقول:
إن أول مؤلف وضع فى بيان غريب القرآن هو كتاب " غريب القرآن " لابن قتيبة (فى القرن الثالث الهجرى) وهذا يرجح أن ابن قتيبة ، لم يكتب هذا الكتاب للمسلمين العرب ، بل كان القصد منه هو أبناء الشعوب غير العربية التى دخلت فى الإسلام ، وكانوا يتحدثون لغات غير اللغة العربية.
أما مسلموالقرنين الأول والثانى الهجريين ، والنصف الأول من القرن الثالث ، فلم يكن فيها ـ فيما نعـلم ـ كتب حول بيان غريب القرآن ، سوى تفســير عبـد الله بن عباس ـ رضى الله عنه ـ ، وكتاب " مجازات القرآن " لأبى عبيدة معمر بن المثنى (م 210هـ) وهما أعنى تفـسير ابن عباس ، ومجازات أبى عبيدة ، ليسا من كتب الغريب ، بل هما: محاولتان مبكرتان لتفسير القرآن الكريم مفردات وتراكيب.
ولما تقادم الزمن على نزول القرآن ، وضعف المحصول اللغوى عند الأجيال اللاحقة ، قام بعض العلماء المتأخرين ـ مثل: الراغب الأصفهانى ، صاحب كتاب " مفردات القرآن " ، وجـلال الدين السيوطى ، صاحب كتاب " مبهمات القرآن " ـ بوضع كتب تقرب كتاب الله إلى الفهم ، وتقدم بيان بعض المفردات التى غابت معانيها واستعمالاتها عن الأجيال المتأخرة.
وهذا يسلمنا إلى حـقيقة لاحـت فى الأفق من قبل ، نعيد ذكرها هنا فى الآتى:
إن ما يطلق عليه " غريب القرآن " فى بعض المؤلفات التراثية ومنها كتب علوم القرآن ، وما تناوله مفسرو القرآن الكريم فى تفاسيرهم ، هو غريب نسبى لا مطلق ، غريب نسبى باعتبار أنه مستعار من لغات أخرى غير اللغة العربية ، أو من لهجات عربية غير لهجة قريش التى بها نزل القرآن وغريب نسبى باعتبار البيئات التى دخلها الإسلام ، وأبناؤها دخلاء على اللغة العربية ، لأن لهم لغاتٍ يتحدثون بها قبل دخولهم فى الإسلام ، وظلت تلك اللغـات سائدة فيهم بعد دخولهم فى الإسلام وغريب نسبى باعتبار الأزمان ، حتى فى البيئات العربية ، لأن الأجيال المتأخرة زمناً ضعفت صلتهـم باللغة العربية الفصحى مفردات وتراكيب. وكل هذه الطوائف كانت ، وما تزال ، فى أمس الحاجة إلى ما يعينهم على فهـم القرآن ، وتذوق معانيه ، والمدخل الرئيس لتذوق معانى القرآن هو فهم معانى مفرداته ، وبعض أساليبه.
والغريب النسبى بكل الاعتبارات المتقدمة غريب فصيح سائغ ، وليس غريباً عديم المعنى ، أو لا وجود له فى معاجم اللغة ومصادرها ، وهذا موضع إجماع بين علماء اللغة والبيان ، فى كل عصر ومصر. ولا وزن لقول من يزعم غير هذا من الكارهين لما أنزل الله على خاتم أنبيائه ورسله.
مسائل ابن الأزرق
بقى أمر مهم ، له كبير صلة بموضوع " الغريب " فى القرآن ذلك الأمر هو ما عرف فى كتب الأقدمين بـ " مسائل ابن الأزرق " ونوجز القول عنها هنا إيجازاً يكشف عن دورها فى الانتصارللحق ، فى مواجهة مثيرى هذه الشبهات ومسائل ابن الأزرق مسطـورة فى كثير من كتب التراث مثـل ابن الأنبارى فى كتابه " الوقف " والطبرانى فى كتابه " المعجم الكبير " والمبرد فى كتابه " الكامل ". وجـلال الدين السـيوطى فى كتابه " الإتقان فى علوم القرآن " وغيرهم.
ولهذه المسائل قصة إيجازها: أن عبد الله بن عباس كان جالساً بجوار الكعبة يفسر القرآن الكريم ، فأبصره رجلان هما: نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عويمر ، فقال نافع لنجدة " قم بنا إلى هذا الذى يجترئ على القرآن ويفسره بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا له:
إنَّا نريد أن نسألك عن أشياء فى كتاب الله ، فتفسرها لنا ، وتأتينا بما يصادقه من كلام العرب. فإن الله أنزل القرآن بلسان عربى مبين.
فقال ابن عباس: سلانى عما بدا لكما. ثم أخذا يسألانه وهو يجيب بلا توقف ، مستشهداً فى إجاباته على كل كلمة ، " قرآنية " سألاه عنها بما يحفظه من الشعر العربى المأثور عن شعراء الجاهلية ، ليبين للسائلين أن القرآن نزل بلسان عربى مبين.
وكان الإمام جلال الدين السيوطى قد جمع هذه المسائل وذكر منها مائة وثمانٍ وثمانين كلمة ، وقد حرص على ذكر إجابات ابن عباس عليها رضى الله عنه ، وقال: إنه أهمل نحو أربع عشرة كلمة من مجموع ما سئل عنه ابن عباس.
وها نحن أولاء نورد نماذج منها ، قبل التعليق عليها ، ولماذا أشرنا إليها فى مواجهة هذه الشبهة التى تزعم أن ألفاظ الكتاب العزيز " غريبة " وغير مفهومة.
النموذج الأول: " عزين "
قال نافع بن الأزرق لابن عباس:
أخبرنى عن قوله تعالى: (عن اليمين وعن الشمال عزين).
قال ابن عباس: عزين: الحلق من الرفاق. فسأله نافع: وهل تعرف العرب ذلك ؟
فقال ابن عباس: نعم ، أما سمعت قول عبيد بن الأبرص:
فجاءوا يُهرعون إليه حتى يكونوا حول منسره عزينا
يعنى جماعات يلتفون حول الرسول، وهو مشتق من الاعتزاء ، أى ينضم بعضهم إلى بعض ، قال الراغب فى المفردات: العزين: الجماعة المنتسب بعضها إلى بعض.
النموذج الثانى: " الوسيلة "
قال نافع: أخبرنى عن قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة). قال ابن عباس: الوسيلة: الحاجة ، قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال ابن عباس: نعم ، أما سمعـت قـول عنتــرة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
أن يأخذوك تكحلى وتخضبى
يعنى: اطلبوا من الله حاجاتكم. واستعمال الوسيلة فى معنى الحاجة كما فسرها ابن عباس فيها إلماح أن طريق قضاء الحوائج يكون إلى الله ؛ لإن معنى الوسيلة: الطريق الموصل إلى الغايات.
النموذج الثالث: " شرعةً ومنهاجاً "
وسأله نافع عن الشرعة والمنهاج فى قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ) . فقال ابن عباس: الشرعة: الدين ، والمنهاج: الطريق ، واستشهد بقول أبى سفيان الحارث بن عبد المطلب:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى
وبين للإسلام ديناً ومنهجاً.
النموذج الرابع: " ريشاً "
وسأله نافع عن كلمة " ريشاً " فى قوله تعالى: (يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوارى سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير.. ).
ففسره ابن عباس بالمال ، واستشهد بقول الشاعر:
فريشى بخير طـالما قد بريتنى
وخير الموالى من يريش ولا يبرى
النموذج الخامس: " كَبد "
وسأله نافع عن كلمة " كَبد " فى قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان فى كبد ).
فقال ابن عباس: فى اعتدال واستقامة. ثم استشهد بقول لَبِيد بن ربيعة:
يا عين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم فى كبد
وهكذا نهج ابن عباس فى المسائل الـ (188) التى وجهت إليه ، يجيب عنها بسرعة مذهلة ، وذاكرة حافـظة لأشعار العـرب ، وسـرعة بديهة فى استحضار الشواهـد الموافقة لفظاً ومعنى للكلمات القرآنية ، التى سئل عنها .
وهذا يؤكد لنا حقيقتين أمام هذه الشبهات التى أثارها الحاقدون ضد القرآن الكريم.
الأولى: كذب الادعاءات التى نسبت لابن عباس الجهل ببعض معانى كلمات القرآن.
الثانية: أن القرآن كله لا غريب فيه بمعنى الغريب الذى يعاب الكلام من أجله ، وأن نسبة الغريب إليه فى كتابات السلف ، تعنى الغريب النسبى لا الغريب المطلق ، وقد تقدم توضيح المراد من الغريب النسبى فى هذا المبحث ، باعتبار الزمان ، وباعتبار البيئة والمكان ، وأن ما وضعه القدماء من مؤلفات تشرح غريب القرآن إنما كان المقصود به إما أبناء الشعوب التى دخلت الإسلام من غير العرب. وإما للأجيال الإسلامية المتأخرة زمنا ، التى غابت عنها معانى بعض الألفاظ.
وقد يضاف إلى هذا كله الألفاظ المشتركة والمترادفة والمتضادة، والاحتمالية المعنى.
أما أن يكون فى القرآن غريب لا معنى له وغير مأنوس الاستعمال. فهذا محال ، محال.. والحمد لله رب العالمين.







رد مع اقتباس