عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2011, 02:11 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو






سكر مالح is on a distinguished road

 

سكر مالح غير متصل

 


المنتدى : :: المنتدى الاسلامي ::
افتراضي القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها

القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها،
عن سفيان قال: طول الصمت مفتاح العبادة([1]).

فإن في طول الصمت تفكرًا وكفًا عن ما لا ينبغي، واستفادة من الأوقات.. ومحاسبة للزلات.
قال الفضيل بن عياض: ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك، أصبحت في هم شديد([2])، هم وهو يتعاهد لسانه ويحافظ على كلماته.
فإن اللفظات حفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر، هل فيها ربح وفائدة أم لا؟
فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر.
هل تفوت بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى.
قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأجاج، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في تلك القدور بلسانك([3]).
والكلام إذا كان دفاعًا عن خير ودعوة إلى علم وقراءة للقرآن وذكر لله فذلك. أكثر منه فقد سلكت الجادة، فإنه يسرك يوم القيامة إذا نظرت في صحيفتك.. وأخذت كتابك بيمينك.
قيل لإياس بن معاوية: إنك تكثر الكلام؟ قال: أفبصواب أتكلم أم بخطأ؟
قالوا: بصواب، قال: فالإكثار من الصواب أفضل([4]).
أخي الفاضل أختي الفاضلة : اعلم أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحترز من زللـه، بالإمساك عنه أو بالإقلال منه([5]).
هنا موقف أبان فيه اللسان عن حقيقة الرجل ولو سكت لجهل أمره، فقد حكي عن أبي يوسف الفقيه أن رجلا كان يجلس إليه، فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تسأل؟
قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ فتبسم أبو يوسف رحمه الله وتمثل ببيتين من الشعر:


عجبت لإزراء العي بنفسه






وصمت الذي قد كان بالقول أعلما



وفي الصمت ستر للعي وإنما





صحيفة لب المرء أن يتكلما([6])




أقام المنصور بن المعتز: لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة.
أربعين سنة، وقيل: ما تكلم الربيع بن خثيم بكلام الدنيا عشرين سنة، وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسا وقلما فكل ما تكلم به كتبه ثم يحاسب نفسه عند المساء([7]).
أخي أين نحن من هؤلاء؟
قيل للقمان الحكيم: ما حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيت ولا أتكلف ما لا يعنيني([8]).
وحكي أن بعض الحكماء رأى رجلا يكثر الكلام ويقل السكوت، فقال: إن الله تعالى إنما خلق لك أذنين ولسانا واحدا ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به([9]).
والكثير الآن تجاوز هذا الضعف، يهذر بما يعلم وما لا يعلم، لا يتحدث في علم إلا له فيه قول... ولا يمر اسم فلان من الناس إلا لمزه وغمزه.
وقد حذر الجنيد من ذلك بقوله: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عرى من الهيبة عرى من الإيمان([10]).
ولكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يراعي شروطا أربعة:
الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر.
الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته.
الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته.
الشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به([11]).
إذا توافرت هذه الشروط فعليك بالحديث وإلا فإن الصمت يجمع للرجل خصلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه([12]).
ومن يقدر الآن على الصمت ونحن في زمن يخيل للسامع أن الإنسان خلق بلسان دون أذن.. فالكل يتحدث ترتفع الأصوات في المجالس ويكثر اللغط ولا تعلم من يحدث من ؟ ومن يستمع لمن؟
ترى اثنين يتحدثان بصوت مرتفع.. وتبحث عن المستمع فلا ترى أحدا.
الكل يتحدث.. ولكن أين المستمع؟
هذا عبد الله بن أبي زكريا يقول: عالجت الصمت ثنتي عشرة سنة، فما بلغت منه ما كنت أرجو([13]).
وقال: مورق العجلي: أمر أنا أطلبه منذ عشر سنين لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه، قالوا: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني([14]).
أخي الفاضل أختي الفاضلة: أين نحن من هؤلاء؟
قوم جاهدوا أنفسهم وحاولوا سنوات طويلة، أفلا نفكر ولو أيام معدودة في الصمت عما لا يعنينا؟ ولو لساعات فقط؟
ولكن الأمر كما قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم([15]).
مع أنه ما من أحد من الناس يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله([16]).


يصاب الفتى من عثرة بلسانه





وليس يصاب المرء من عثرة الرجل



فعثرته بالقول تذهب رأسه




وعثرة بالرجل تبري على مهل([17])



انظر يا أخي إلى قول الأوزاعي: من أكثر من ذكر الموت كفاه اليسير ومن علم أن منطقه من عمله قل كلامه.
ومن قل كلامه فيما لا فائدة فيه.. استكثر مما لا ينفع في الآخرة.. وحدد محمد بن عجلان الكلام بأربعة أن تذكر الله، وتقرأ القرآن وتسأل عن علم فتخبر به، أو تتكلم فيما يعنيك من أمر دنياك([18]).
فإنه حق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه حافظًا للسانه، مقبلاً على شأنه([19]).
فالأمر كما قال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه([20]).
فإن من المحافظة على دين المرء المحافظة على اللسان.. قال رجل لحامد اللفاف، أوصيني قال: اجعل لدينك غلافًا كغلاف المصحف أن تدنسه الآفات قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك طلب الدنيا إلا مما لا بد منه وترك كثرة الكلام إلا فيما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه([21]).
وسبقه عمر بن عبد العزيز برسالة بعث بها: أما بعد: فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه([22]).
: أخي الفاضل أختي الفاضلة
من منا الآن من يعد كلامه.. ويقف دون زلاته... لنعد لحظات نسعد فيها بسماع حديث السلف.. نتربى في مدارسهم ونسير على أثرهم.
قال الفضيل: أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة([23])([24]).
وربما نحاول في مجلس أن نعد كلامنا... فلا نستطيع.. ما بالك إذا كانت أعواما وشهور!!.
صحب بعضهم الربيع بن خثيم عشرين عامًا.. فقال: ما سمعت منه كلمة تعاب([25]).


استر العي ما استطعت بصمت





إن في الصمت راحة للصموت



واجعل الصمت إن عييت جوابا




رب قول جوابه في السكوت([26])



وحتى في السكوت ربما يلحقك مذمة، ويتبعك ملامة ولكن عليك أخي بقول أبي الدرداء: أدركت الناس ورقًا ولا شوك فيه، فأصبحوا شوكًا لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك، قالوا: فكيف نصنع؟ قال: تقرضهم من عرضك ليوم فقرك([27]).
فأقرض يا أخي من عرضك ليوم فقرك. واعلم أنها حسنات تجمع لك تراها يوم القيامة مثل الجبال، يسرك مقدمها في ذلك اليوم العصيب.
قال: رباح القيس: قال لي عتبة (الغلام) يا رباح: إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت، فبئس الناظر لها أنا يا رباح.. إن لي موقفًا تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول([28]).
وهو موقف يوم يشيب فيه الولدان.. حساب ومنصرفان.
إما إلى الجنة أو إلى النار ولهذا الموقف قال أبو حازم: انظر الذي تحب أن يكون معك في الآخرة، فقدمه اليوم، وانظر الذي تكره، أن يكون معك ثم، فاتركه اليوم([29]).
أخي: يكفي من طول بعض المجالس قليل من الوقت.. فإن طال المجلس.. انتهى حديث السلام والسؤال، وبدأت آفات اللسان. فاحفظ أمرك وحاسب نفسك.


لقاء الناس ليس يفيد شيئا





سوى الهذيان من قيل وقال



فأقلل من لقاء الناس إلا




لأخذ العلم أو إصلاح حال([30])



قال ابن الحسن بن بشار: منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن اعتذر منها.
لهم باع في الحديث وفي تسيد المجالس لو أرادوا ولكنهم عفوا وحفظوا ألسنتهم يخافون يوما يرجعون فيه إلى الله.
قال عمر بن عبد العزيز: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة([31]).
والإنسان لا يخلو من محادثة الكثير ممن تتفاوت عقولهم وتختلف مداركهم، وتتلون طباعهم ووجه وهب بن منبه لهذا الأمر بقوله: دع المراء والجدل، فإنه لن يعجز أحد رجلين، رجل هو أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من أعلم منك؟
ورجل أنت أعلم منه، فكيف من أنت أعلم منه، ولا يطيعك؟([32]).
وخير للمرء إن أراد المحافظة على دينه من النقص وعلى كرامته من الخدش أن يلزم الصمت أو يقول خيرًا.
ولا خير في الحياة كما قال سعيد بن عبد العزيز: إلا لأحد رجلين: صموت واع، وناطق عارف([33]).
أخي: ألا ترى معي أن:


الصمت أزين بالفتى





من منطق في غير حينه



والصدق أجمل بالفتى




في القول عندي من يمينه



وعلى الفتى بوقاره




سمت تلوح على جبينه



جعلني الله وإياك ممن إذا تكلم نفع وكان حديثا في موازين أعماله، وإن سكت كان خيرا له.
([1])كتاب الصمت: 222.

([2])جامع العلوم والحكم: (162).

([3])الجواب الكافي (170).

([4])كتاب الصمت: (303).

([5])أدب الدنيا والدين (265).

([6])أدب الدنيا والدين (266).

([7])الإحياء (3/ 121).

([8])الإحياء (3/ 121).

([9])أدب الدنيا والدين: (268).

([10])السير: (14/ 68).

([11])أدب الدنيا والدين (266).

([12])كتاب الصمت (69) الإحياء (3/ 120).

([13])كتاب الصمت (303).

([14])كتاب الصمت (97) جامع العلوم والحكم: (138) الإحياء
(3/ 122).


([15])الإحياء: (3/ 120).

([16])الإحياء (3/ 120).

([17])شذرات الذهب (2/ 106).

([18])جامع العلوم والحكم (162).

([19])الإحياء (3/ 120).

([20])الإحياء (3/120).

([21])الإحياء (4/ 58).

([22])الإحياء (3/ 120).

([23])أعرف الآن من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة.

([24])صيد الخاطر: (619).

([25])السير (4/ 259).

([26])كتاب الصمت: (300).

([27])صفة الصفوة (1/ 638) حلية الأولياء: (1/ 218).

([28])صفة الصفوة: (3/ 372).

([29])شرح الصدور: (21).

([30])وفيات الأعيان: (4/ 283).

([31])كتاب الصمت (88).

([32])السير (4/ 549).

([33])السير (8/ 36).






رد مع اقتباس