[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:crimson;border:4px outset orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
يذكر الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في كتابه (الشرح الممتع على زاد المستقنع)، أن بعض الفقهاء ألحقوا مسألة المسح على الخفين، وهي مسألة فقهية، بالعقائد، للتأكيد على مجانبة مخالفيهم في أمر المسح من الشيعة الإمامية للصواب.
لو تأمل الباحث الجاد عما فرق المسلمين إلى مذاهب عقدية يُكفِّر بعضها بعضاً، لوجدها لا تخرج عما أُصْطُلح عليه ب(فروع العقائد)، وهي تلك المسائل، السياسية منها بالذات، التي ألحقت بالعقائد، نكاية بالمخالفين والمنافسين السياسيين
هذا الأمر يؤكد جانباً مهماً في الصراعات المذهبية التي ابتلي بها المسلمون قديماً، ولا تزال آثارها فاعلة في الصراع بين المسلمين اليوم، وهو أن كثيراً مما امتلأت به أسفار الملل والنحل، مما فرق المسلمين شيعاً، وجعل بعضهم يقتل بعضاً، إنما هي من جنس تلك المسائل التي ألحقت قسراً بالعقائد. كما يؤكد من جانب آخر، على أن الآلية التي كانت تُستدعَى لحسم الخلافات حول مسألة سياسية كمسألة الخلافة والإمامة، تكمن في إلحاقها بالعقائد، لاضطرار المخالفين، وهم في الأصل فاعلون اجتماعيون يتحركون من وحي إيقاع ومصالح السياسة والاجتماع، إلى أضيق الطرق، ومن ثم تبديعهم ورميهم بالزندقة والضلال والكفر.
لو تأمل الباحث الجاد عما فرق المسلمين إلى مذاهب عقدية يُكفِّر بعضها بعضاً، لوجدها لا تخرج عما أُصْطُلح عليه ب(فروع العقائد)، وهي تلك المسائل، السياسية منها بالذات، التي ألحقت بالعقائد، نكاية بالمخالفين والمنافسين السياسيين. خذ مثلا: مسألة الإمامة عند الشيعة والخلافة عند السنة، إن غاية ما يقال عنهما: إنهما مسألتان فقهيتان، ومع ذلك فهما أصل الانشقاق بين الشيعة والسنة. ذلك أن الشيعة يرونها أصل الدين وقاعدته، والسنة يرون أنها مفوضة إلى أهل والعقد، وهي بالفعل كذلك. إلا أن الخلاف الذي استعر بين الفرقتين أدى بالسنة في ما بعد إلى النظر إليها على أنها أصل، أو تقترب من الأصل، عندما نظّروا فكرياً لتعيين الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه خليفة، رداً على التنظير الشيعي لتعيين علي رضي الله عنه.
وكذلك الموقف من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فبرغم أننا مأمورون بحبهم والترضي عنهم، والسير على منهجهم، وحب من يحبهم، وبغض من يبغضهم، إلا أن الموقف منهم، ومن تفضيلهم على بعضهم، لا يشكل أصلا من أصول العقائد التي يُكفّر بها الإنسان، أو يُدخَل في حظيرة الإيمان. قال الإمام أبو عمر بن عبدالبر: "أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لن يسأل عباده يوم الحساب: من أفضل عبادي، ولا هل فلان أفضل من فلان".
إذن ما هي أصول العقائد التي يحكم على منكرها بالخروج من الملة؟ إنها تلك الأصول الستة التي تنعت ب(أركان الإيمان)، وهي "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره"، و هي تلك الأركان التي لا يتم إيمان الإنسان إلا إذا آمن بها جميعاً على الوجه الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويتبع ذلك بالطبع الإتيان بأركان الإسلام الخمسة ليكون الإنسان مسلماً حقاً. والقرآن والسنة المتواترة ينضحان بما يؤكد أن هذين الأصلين هما ركن الدين وقاعدته. وأما غيرهما، مما ألحقه الفاعلون الاجتماعيون بالعقائد، فمهما غشيه الإنسان، أو ابتلي به، فإنه، على الأقل، لا يغادر حظيرة الإسلام، مما يعني عصمة دمه وماله وعرضه. والفصل في ذلك ما جاء بعدة آيات وأحاديث، من أبرزها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال فيه: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، إلخ. ثم قال لي: "يا عمر، أتدري من السائل؟، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
ولنا أن نتذكر في هذا المجال أيضا قصة الجارية التي جيئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألها: أين الله؟ قالت: في السماء. ثم سألها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فقال لسيدها: "أعتقها فإنها مؤمنة". وفي رواية أخرى، قال لها: من ربك؟ قالت: الله، ومن نبيك؟ قالت: محمد، قال أعتقها فإنها مؤمنة. وجاء في رواية أخرى "أتشهدين أن لا إله إلا الله". ومثله ما جاء في حديث طلحة بن عُبَيدالله أن رجلاً من أهل نجد جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال له (ص)، "خمسُ صلواتٍ في اليوم واللَّيلة، فقال هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلاَّ أن تَطوَّع. ثم قال له (ص) "وصيام رمضان، قال هل عليَّ غيرُه؟ قال:لا، إلاَّ أن تَطوَّع". ثم َذكر(ص) الزكاة، قال "هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلاَّ أن تَطوَّع". قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص، قال صلى الله عليه وسلم: أَفْلحَ إنْ صَدق".
وبعدُ فهذا هو إسلام القرآن والسنة النبوية المتواترة، وهو إسلام الرحمة والهدى والنور، إسلام اجتماع الكلمة لا تفرقها، إسلام نزل رحمة للعالمين: برهم وفاجرهم، المؤمن به وغير المؤمن به، إسلام حرية العقيدة الذي قرر أنه "لا إكراه في الدين". إسلام يقنن الاعتداء بالعقوبة بالمثل: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به". إسلام يأمر بالبر والإحسان لغير المسلمين: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".
هذا هو الإسلام الذي يجب أن يركز عليه الخطاب الديني لدينا: الصفي منه و(اللاصفي)، فهو ترياق ناجع ومجرب لاقتلاع الغلو والإرهاب من جذوره، فهل نحن فاعلون؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسال:الله العلى القديران يتم نعمة الإيمان
على وطنا الغالى ويدحركيدالعابثين في نحورهم
الاحد20شعبان1436هــــــــ،،
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]