[frame="1 80"]
نقر بأن الجهد المبذول في رعاية الحج منذ بدأت هذه البلاد ممثلة بقيادتها الرشيدة تعنى به، فإن كل عين منصفة تستطيع أن تراه بكل وضوح، وأما عين المبغض فعليها غشاوة، وقلبه لا يبصر، ولسانه معقود عن أن يثني، ولو سدد وقارب، ولو أعان ونصح، ولو دعا بالتوفيق..
غداً تشرق شمس أفضل أيام السنة، يوم عرفة، حيث مباهاة المولى جل في علاه بأهل الموقف ملائكته، وسؤاله: ماذا أراد هؤلاء. وهو سؤال تقرير، معلوم الجواب.
سيقف الحجيج في صعيد عرفات، فإن كان عددهم قد يدنو من مليوني حاج أو يزيدون، فإن هناك ما لا يقل عن عددهم يبذلون الجهد، ويسهرون الليل ويواصلون العمل، لينعم الواقف في عرفة بالأمن، ويحلو له مناجاة الرحمن، ويطيب له التنقل بين المشاعر، ويستمتع بتقبيل الحجر، والطواف بالبيت العتيق.
هذه الجهود الجبارة ربما نقلت جزءاً يسيراً منها عدسات الفضائيات، والتقطت بعض أحداثها كاميرات الجوالات، ولكن كثيراً منها يستتر خلف الكواليس، في الجوازات، والجمارك، والمطارات، والموانئ، والاستنفار الكبير لكل رجال الأمن كل في قطاعه، بل كل قطاعات الدولة تشارك بجهد موكول إليها ليكون الحج همّاً وتكليفاً، قبل أن يكون تشريفاً، واعتزازاً.
إنا نرى الجهد ممثلاً في رجل مسؤول عن حملة، معه أقل من ألف حاج، لا يكاد يغمض له جفن في أيام الحج، وإن نام فبِإغفاءةٍ، تطبق فيها عيناه جفنيهما ولا يغفو قلبه! فكيف بمسؤول عن كل الحجيج، متشرف بأفضل الألقاب وأشرفها «خادم الحرمين الشريفين» لا ريب أن انشغاله بأمر الحجيج أعظم وأكبر.
قد لا ينتبه الحاج إلى ما سخر له لكي يسهل له حجه، وكم هي الجهود المبذولة في نظافة المشاعر، وصيانتها، والطرقات وتسهيل رمي الجمرات، وتفويج الحجيج، والبيت الحرام، وجموع الطائفين والركع السجود، وربما غاب عن ذهنه أن الوقت قصير، وموحد، فنفرة الحجيج في وقت متقارب جداً، من مكة إلى منى، ومن منى إلى عرفات، ومن عرفات إلى مزدلفة، ومنها إلى منى مرة أخرى، ثم يفيض الحجيج إلى البيت ليطوفوا به، ويعودوا إلى أهليهم سالمين غانمين.
دع عنك أرق الحرص على سلامتهم من كل أذى مادي أو معنوي، في وقتٍ يبذلُ مَن لا يراعي في المسلمين إلاً ولا ذمة كلّ جهودهم متربصين أدنى غفوة للقتل والتخريب والإفساد، يريدون أن يجعلوا من الحج شعاراً لمذهبهم أو منهجهم السياسي، ويفرحون بكل خطأ ويضخمونه، ويجعلونه ذريعة لمطالبهم الغاشمة، ودليلاً على عدم القدرة على إدارة شأن الحجيج.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذباً. فهم لا يخفى عليهم أن هذا الشرف الذي وكل به قادة هذه البلاد منذ تأسيسها، لم يكن ليكون فيه تقصير، وإن كان ثمة تربص لقصورٍ من طبيعة البشر، فمهما كان الجهد والتخطيط والاستعداد فإن الحوادث لا مرد لها من الله، فطبيعة القادة والعاملين معهم بشرية، ولهذا يستفاد من الأخطاء والقصور كل عام، عبر مركز أبحاث الحج، ويستمع المسؤولون إلى الآراء وينفذون ما صلح منها، ويتلقفون النصح تلقفاً، ويبحثون عن النقد البناء المعين على تلافي الخطأ وتحسين العمل بكل رحابة صدر.
ولكن الناقد الحاقد لن يرضى إلا بالتشويه، والحاسد لا يرتاح إلا بزوال النعمة عن المحسود.
ومن هنا فإنا نقر بأن الجهد المبذول في رعاية الحج منذ بدأت هذه البلاد ممثلة بقيادتها الرشيدة تعنى به، فإن كل عين منصفة تستطيع أن تراه بكل وضوح، وأما عين المبغض فعليها غشاوة، وقلبه لا يبصر، ولسانه معقود عن أن يثني، ولو سدد وقارب، ولو أعان ونصح، ولو دعا بالتوفيق، والإعانة لكان أولى له من التشويه، الذي لن يضر، فإن الواقع الذي يعيشه الحجاج ويرجعون به إلى ديارهم خير ما يثبت الحق، ويزلزل أركان الباطل الأجوف، فالله أسأل للقيادة الرشيدة؛ لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ولكل وزير ومسؤول، ولكل عامل مهما صغرت مهمته، أن يوفق ويسدد ويعان، وأن يكون عملهم خالصاً لله، لا يريدون منه جزاء ولا شكوراً، فيجزيهم جل وعلا بما صبروا على الأذى، وبما بذلوا من الجهد جنة وحريراً، متكئين فيها على الأرائك، لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً. هذا، والله من وراء القصد.
-----------------------
الجمعه4ذوالحجه1439هـــــ.
منصور..
[/frame]