قوله - تعالى -: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾: (ويل): كلمة تدلُّ على ثبوت وعيدٍ لمَن اتَّصف بهذه الصفات..
قال أهل العلم: الهَمْز بالفعل؛ كأنْ يلوي وجهَه، أو يُشير بيده ونحو ذلك؛ لعَيْب شخصٍ أو تنقصه، واللَّمْز باللسان، وهو من الغِيبة المحرَّمة،
قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ﴾: هذه أيضًا مِن أوصافه القبيحة، جَمَّاع منَّاع؛ أي: يجمع المال، ويمنع العطاء، فهو بخيلٌ لا يُعطي شيئًا.
قال بعض المفسرين: أي إنَّ الذي يحمله على الحطِّ من أقدار الناس هو جمعُه المال، وتعديده - أي: عدُّه - مرة بعد أخرى؛ شغفًا به
وتلذذًا بإحصائه؛ لأنَّه لا يرى عزًّا ولا شرفًا ولا مجدًا في سواه ..
قوله - تعالى -: ﴿ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾؛ أي: أيظنُّ أنَّ ماله الذي جمعَه وأحصاه، وبخِل بإنفاقه مُخلدُه في الدنيا، فمزيلٌ عنه الموت؟ كلاَّ ..
قوله - تعالى -: ﴿ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾: (كَلاَّ)؛ أي: فليرتدعْ عن هذا الحُسبان، فإنَّ الأمر ليس كما يظن؛ بل لا بدَّ أن يُفارق هذه الحياةَ إلى حياةٍ أخرى،
يُعاقَب فيها على ما كَسَب من سيِّئ الأعمال، و﴿ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾؛ أي: ليُلقَينَّ وليقذفنَّ يومَ القيامة في النار، التي مِن شأنها أن تكسِرَ
كلَّ ما يُلقى فيها وتحطمه، والنبْذ يفيد التحقيرَ والتصغير.
قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾: استفهامٌ عنها؛ لتهويل أمرها، كأنَّها ليستْ من الأمور التي تدركها العقول،
ثم فسَّرها بقوله - سبحانه -: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾؛ أي: هي النار التي لا تُنسَب إلا إليه - سبحانه - لأنَّه هو منشِئُها في عالَم لا يعلمه سواه،
قال أبو السعود: "وفي إضافتها إليه - سبحانه - ووصفِها بالإيقاد - أي: المشتعلة - مِن تهويل أمرها ما لا مزيدَ عليه"
قوله - تعالى -: ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾: قال ابنُ جرير: أي التي يطَّلع ألمُها ووَهَجُها على القلوب[3]، وقال الزمخشريُّ:
يعني أنَّها تدخل في أجوافهم حتى تصلَ إلى صدورهم، وتطَّلع على أفئدتهم، وهي أوساطُ القلوب، ولا شيءَ في بدن الإنسان ألطفُ من الفؤاد،
ولا أشدُّ تألمًا منه بأدنى أذًى يمسه، فكيف إذا اطَّلعتْ عليه نارُ جهنم، واستولتْ عليه؟! ويجوز أن يخصَّ الأفئدة؛ لأنَّها مواطنُ الكفر والعقائد الفاسدة والنيَّات الخبيثة ..
قال بعضُ المفسِّرين: وخصَّ الأفئدة؛ لأنَّ الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبُه؛ أي: إنهم في حال مَن يموت وهم لا يموتون ..
قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ﴾؛ أي: مغلقة مُطبقة لا مُخلِّص لهم منها.
قوله - تعالى -: ﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾: قال الزمخشري: "المعنى أنَّه يؤكِّد يأسَهم من الخروج، وتيقنَهم بحبس الأبد،
فتؤصَد عليهم الأبواب، وتُمدَّد على العمد؛ استيثاقًا في استيثاق ..
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
تأمَّل الآن لو أنَّ إنسانًا كان في حجرة أو سيَّارة اتَّقدت النيران فيها، وليس له مهرَب، والأبواب مغلقة، ماذا يكون؟!
سيصبح في حسرةٍ عظيمة لا تماثلها حسرة، وهكذا في النار ﴿ عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾؛ أي: إنَّ النار مؤصدةٌ، وعليها أ
عمدة مُمَدَّة؛ أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا؛ حتى لا يتمكَّنَ أحد من فتْحها أو الخروج منها.
ويَنبغي للمؤمن أن يَحذَر من هذه الصِّفات الذميمة: عيْب الناس بالقول أو الفعل، والحِرْص على المال وجمعه
كأنَّ الإنسان خُلق للمال ليخلدَ له، وأنَّ من كانتْ هذه صفاته، فإنَّ جزاءه هذه النار ..
اللهم أجرنا من النار ياارحم الرحمين ..