لهم فيها ما تشتهيه الأنفس
لا يوجد في الجنة ما تكرهه النفوسُ فلا يوجد حَيضٌ ولا يوجد بولٌ ولا غائطٌ ولا عَرَقٌ يتولّد منه وَسَخ ورَشْحُهُم كالمسك وأزواج الشخص هنّ له إلى أبد الآباد والحُور العِين من مخلوقات الجنة لهنَّ من الحُسنِ والجمالِ ما لو برزت الواحدة منهن إلى الدنيا لملأت ما بين المشرق والمغرب من الرائحة الزكية.
وبمجرد أن يدخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ ويستقرونَ فيها يسمعونَ النداءَ من المَلَكِ:" يا أهل الجنة إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإنَّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً وإنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً " ثم إن أهل الجنة يكونون في نعيم يتجدد ولا ينقطع، فكل ثمرة يقطفها المؤمنُ في الجنة يجعل مكانها ثمرة والثمرةُ كالجرة والشجرة في الجنة سَاقُها من ذَهَب.
وكذلك لما يرى المؤمنُ الطيرَ ويشتهي أن يأكلَه يقعُ بين يديه مشوياً إن اشتهاه مشوياً من غير كلفة.
النعيم المقيم :
إن الذي قام بتوحيد الله تعالى واجتنبَ معاصيه وأدّى فرائضه فإنه يدخلُ الجنةَ بلا عذابٍ حيث النعيمُ المقيمُ الخالدُ بدلالة الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشر" وقال أبو هريرة " إقرأوا إن شِئتم قولَه تعالى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة). ولما عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السمواتِ العُلا اطَّلَعَ في الجنة فرأى الحُورَ العِين فطلبَ منه سيدُنا جبريلُ أن يُسلِّم عليهنَّ بالقول فقلنَ له " نحنُ خَيِّراتٌ حِسانٌ أزواجُ قومٍ كرام ".
ورأى صلى الله عليه وسلم في الجنة الوِلْدَانَ المخلَّدِينَ وهم خَلْقٌ من خَلْقِ الله ليسوا من البشر ولا من الملائكة ولا من الجِنِّ خَلَقَهُم اللهُ تعالى من غير أم ولا أب، هم كاللؤلؤ المنثور، لِيَخْدِموا أهل الجنة. الواحد من أهل الجنة أقل ما يكون عنده من هؤلاء الوِلْدَانِ المخلدين عشرة آلاف.
تفكر أخي المسلم، في أحوال أهل الجنة وفيما خصّهم الله من النعيم المقيم الدائم، في وجوههم نَضَرَةُ النعيم ويُسْقَونَ من رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ويَجلسون على منابر الياقوتِ الأحمر ولهم خيامٌ من اللؤلؤ الأبيض ويتكئون على الأرائك ولهم من الحُور العِين الخَيِّراتِ الحِسان كأنهنَّ الياقوت والمرجان، فهل من مُشَمِّرٍ للجنة.
أليس الحري بنا أن نعمل لآخرتنا وأن نتزود لها وأن نتسابق إلى الطاعات والخيرات فالله عز وجل يقول {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} (الحديد) ويقول {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين) فالعجب العجب ممن يتنافسون على الدار الفانية ولا يستعدون للحساب في الدار الباقية.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة تلج الجنةَ صورتُهم على صورة القمر ليلةَ البدر لا يبصقون فيها ولا يَتَمَخَّطُون ولا يَتغَوَّطُون.
آنيتُهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوّة ورَشْحُهُم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض. قلوبُهم قلبٌ واحدٌ يُسبحون اللهَ بُكرةً وعشياً " متفق عليه.
أخي المسلم، احرصْ على المحافظة على إيمانك وصُنْ لسانَك عن الكفر حتى تموتَ على الإيمان وتكونَ من أهلِ الجنة، وسارع إلى أداء ما فرض الله عليك من الصلوات الخمس والصيام والزكاة وتعلُّمِ علمِ الدين وبِرِّ الوالدين وصِلةِ الأرحام وغير ذلك حتى تكون من الزمرة الفاضلة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك أن تميتنا على كلمةِ لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله وأن تجعلنا من أهل الجنة بفضلك يا أرحم الراحمِين.