الشكر لله على منته
علي محمد حسون
"1"كان مساء يوم الاثنين مساءً فريداً بذلك التوهج الذي كانت عليه الرياض التي كانت تعيش شتاءً قاسياً فلفها ذلك الدفء الممنوح من ذوات أولئك "الرجال" الذين لفتهم عاطفة الأخوة التي تمثلت في ذلك الالتفاف بهذا القادم من البعيد بعد أن غمره اللهَّ بالشفاء والعافية، لقد برهن أولئك الرجال عن مكون تلك "العاطفة" في دواخلهم تجاه "أخيهم" فها هو قائد هذه الأمة تسبقه نظراته اللهفة إلى سلم الطائرة ليراه بعد أن كان شديد الاهتمام والرعاية له طوال غيابه الممتد والطويل، ليندفعا ويحتضن كلا منهما الآخر في عناق أحسب أنه كان عناق الأب بابنه وليس عناق الأخ بأخيه، هكذا كان عبدالله بن عبدالعزيز يوم الاثنين في مقدمة كل إخوته وكل أبنائه في تظاهرة باهرة وهو يحتضن عبدالمجيد.
"2"في الشهر الخامس من عام 1406 ه كانت بداية الخطوة الأولى على ثرى تلك المدينة "المتعطش" لرؤيتها عن قرب والدخول في تفاصيل تكوينها والتي ما أن شعرت بخطوة نحوها حتى فتحت له قلبها ليغوص فيه "في بحة موال" حجازي رائع فقد كان ذلك التماذج بينه وبينها كبيراً بل وعنيفاً فارتبط بها وارتطبت به في "جدلية" حوارية لا أروع منها فحمل همها وتأبط كل ملفات حياتها ووضعها على "المحك" وراح يصوغ حياتها صياغة العاشق لها المصر على أن تكون زهرة المداين حتى غدا ذلك هدفاً لا يحيد عنه. وكانت قمة الانطلاقة لذلك "العشق" وهو يمسك "بأنبوب" الأسمنت معلناً بداية انطلاقة البناء في توسعة المسجد النبوي الشريف وإن كنت أنسى لا أنسى ذلك "الثوب" الذي أصابه ذلك "الأسمنت" ببعض ذراته والذي أعتقد أنه لازال "يحتفظ به" في خزانة ملابسه وهو بذلك "الزخم" الذي أصابه وهو ممسك بذلك "الأنبوب".
لقد كانت سعادته غامرة وهو يفعل ذلك الفعل الكبير يومها. ليمتد نشاطه على متابعة هذا المشروع الضخم والتاريخي فكان يتابعه بدقة متناهية حيث اتخذ له مكتباً في ذات المشروع ليكون بالقرب منه يرى ويشاهد ما يتم فيه حتى انتهى بهذه النهاية الفريدة وأصبحت شوارع المدينة التي تصب إلى "المسجد الشريف" بهذا التنسيق الرائع. والذين عرفوا "عبدالمجيد" عن قرب وخبرو مسلكه في العمل ونظرته للقضايا يدركون تماماً بأنه "عاشق" لعمله فبينه وبين "الفشل" عداء شديد فهو لا يريد أن يتعامل مع حروف هذه الكلمة. فالنجاح هو القصد الذي يسعى إليه بكل جد وإخلاص.
فسموه متابع دقيق لقضايا الناس على مدار الساعة لا تستغرب إذا ما زرته في منزله ورأيته منكباً على أكثر من حقيبة مليئة بقضايا الناس يُدقق في هذه المعاملة ويُقلب في تلك حتى يأتي عليها كلها ناهيك على ما ينجزه من عمل في مكتبه حتى في أوقات أجازته التي كان يقضيها في أطراف "المدينة" تُلاحقه تلك الحقائب وهو على حرص كبير في متابعة كل ورقة فيها.
وسموه "مُغرم" بالذهاب إلى مواقع العمل فهو يردد دائماً ويقول: إن من رأى ليس كمن سمع ففي كل عام يزور منطقة أو مركز أو هجرة يتحسس رغبات المواطن الذي يقول عنه هو هدفنا لأن يكون مرتاحاً متوفرة له كل احتيجاته إنها وصية وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرجل الإنسان فهو الحريص على راحة المواطن.
"3"وفي شعبان 1416 ه ودَّع سموه المدينة التي أحبها ولكن ما كان يخفف عليه شدة الوجد من البعاد وهو انتقاله إلى مدينة عظيمة هي قبلة المسلمين في نادرة من الزمان أن يجمع أمير إمارة المدينتين المقدستين وأحسب أن ذلك من علامات رضا "الرب" على عبده أن يمنحه شرف خدمة "مثوى" نبيه صلوات الله عليه وسلامه وخدمة "بيته" العتيق وذلك من ملامح التوفيق ذلك التوفيق وذلك الرضا الذي انعكس في تخطيه لهذه "المعاناة" من المرض حيث لطف الله به وعنايته به كان كبيراً واليوم ها هي مكة المكرمة تفتح ذراعيها له يدخلها في اخبات المؤمن الشاكر لله الواضع كل همومه وكل تعبه عند بيته الحرام شاكراً ومنيباً وداعياً، مغتسلاً ومرتوياً من زمزم والذي هو شفاء لما شرب له. هي التحية لك ياسيدي وهي الدعاء لك وقبل ذلك هو الشكر للهَّ على منته وكرمه وإحسانه. إنه هو الشافي وهو المعافي.