بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه اجمعين.
قال الله تعالى :{ ومن يَتَعَدَّ حدودَ الله فقد ظَلَمَ نفسه } الطلاق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله فرض فرائضَ فلا تُضَيِّعوها وحَدَّ حدوداً فلا تعتَدوها وحَرَّمَ أشياءَ فلا تنتهكوها وسكتَ عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" رواه الدارقطني وغيره.
إعلموا إخوة الاسلام، إن التقوى لها أركان: أولها الإيمان بالله ورسوله، ثانيها أداء الواجبات، ثالثها اجتناب المحرمات.
فينبغي على كل مكلف أن يعتني بهذه الضروريات وسبيلُه إلى ذلك طلب العلم الشرعي لا بمجرد التفكر والذكر ولا بمجرد الإنتساب إلى شيخ عالم أو صوفي زاهد.
هذه الأركان الثلاثة مقدمة على النوافل والذكر اللساني والقلبي ولا يشترط للتقوى بلوغ درجة معرفة القراءة والكتابة فكثير من الصحابة كانوا أميين كما في قوله تعالى :{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الجمعة.
فمع كونهم أميين بعث الله فيهم نبيه محمداً الأمي ليعلمهم الكتاب والحكمة، وتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لهم هو السبيل الوحيد في تفقههم في الدين.
لأن الوحي لا ينزل على غير الأنبياء.
وأما المُلهَمون المُحدَّثون فهم الأتقياء الذين كان سبق لهم أن حصلوا علم الدين الضروري بطريق التلقي من العلماء مشافهة.
وأما من اعتمد على مجرد المطالعة في الكتب من غير أن يحصل القدر الضروري من العلماء فقد عرض نفسه للخطر.
ولسنا أفضل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخالفهم في أسلوب التعلم فنعتمد على مجرد المطالعة وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خير القرون قرني ثم الذين يَلُونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري.
المثل الصالح والقدوة الحسنة
كان سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى من الرسول علم الدين مشافهة ما كتب الله له وقد دعا له الرسول بأن يعطيه الله فهم القرآن والحديث.
واعتنى به لما رأى فيه من النجابة والإقبال التام على تعلم الدين. فإنه كان من شدة حرصه رضي الله عنه يبيت في بيت رسول الله حين يكون صلى الله عليه وسلم في بيت زوجته ميمونة خالةِ سيدنا عبدِ الله بن عباس وذلك ليعلم ما يفعل الرسول في الليل من أمور العبادة وما يقول.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل " أنا يكفيني أني كنت حضرت مجالس كثيرة للرسول ولغتي لغة القرآن التي أنزل بها" بل كان يذهب إلى هذا وإلى هذا من أصحاب رسول الله الذين هم أكبر سنا منه وأكثر ملازمة للرسول كزيد بن ثابت رضي الله عنه فقد ثبت بالإسناد الصحيح أن سيدنا عبد الله بن عباس ذهب إلى بيت سيدنا زيد بن ثابت فأخذ بركاب دابته احتراما واجلالا فقابل سيدُنا زيد هذا الإكرام بتقبيل يد عبد الله بن عباس وكلاهما من أهل الورع والفضل".
رواه الحافظ ابن حجر في تميز الصحابة والبيهقي في كتاب الآداب وفي جزء أبي بكر بن المقرى في إثبات تقبيل اليد.
وأما ما يزعمه البعض من أن تقبيل أيدي العلماء أهلِ الورع والفضل هو من آثار الوثنية فهو مردود فقد اتفق علماء الحديث على أن ما استدلوا به ساقط الإسناد لا يحتج به ولا يعمل به وهو أن رجلا أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبلها فاجتذبها رسول الله.
أقسام الفرائض
واعلم أخي المسلم، إن الفرائض تشتمل على:
1ـ الفرض العملي الذي يتعلق بالبدن كالصلاة.
2ـ والفرض الإعتقادي الذي يتعلق بالقلب وهو العلم المتعلق بمعرفة الله ورسوله والإيمان بالبعث والحشر والثواب والعقاب في الآخرة والجنة والنار ونحو ذلك، وما يتعلق بأعمال القلوب من اخلاص النية لله تعالى للخلاص من الرياء وتصفيتِه من الحقدِ والحسدِ وسوءِ الظن بعباد الله تعالى ونحوه.
وأما نوافل الأعمال من العبادات كرواتب الصلوات (كسنة العصر مثلا) أو صيام التطوع في غير شهر رمضان فإنّ من أتى بها فله أجر جزيل عند الله ويزيده قرباً إلى الله ومن لم يأت بها فليس عليه عقاب في الآخرة فمن أراد النجاة ليبادر إلى تعلم الفرائض وليحرص أولا على تعلم الضروريات التي لا بد منها لصحة العمل.
ومن كان تاركا للصلاة لا يؤديها فليتعلم ضروريات الصلاة ثم ليبدأ بالصلاة من غير أن يفوته فرض واحد لأن من يُفَوِّتُ صلاةً عن وقتها إلى أن يدخل وقت الصلاة التي بعدها لغير عذر شرعي فعذابه عند الله شديد لقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} الماعون.
الحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :" وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" أي أن ما لم يذكره الله في القرآن ولا أوحى به إلى نبيه ليبلغه أمته فقد عفا الله عنه أي أن الله لم يذكر ذلك في كتابه ولا أوحى به إلى نبيه ليبلغكم اياه رحمةً بكم غير نسيان لأن النسيان الذي هو الذهول مستيحلٌ على الله أي لا يجوز في حقه.
فما لم يفرضه اللهُ فليس بفرض وما لم يحرمه اللهُ فليس بحرام. وليس للإنسان أن يقول عن شيء أنه حرام أو حلال دون مستند شرعي.
أخي المسلم، ما أجمل السير على طريق الصحابة الأبرار والإقتداء بأفعالهم الحميدة وما أجمل أن نطبق تعاليم النبي المصطفى فنتعلم الحلال والحرام ونطبق ذلك على أنفسنا فنكون من الناجين بإذن الله.
اللهم أجرنا من النار وأجر والدينا ومشايخنا، اللهم نجنا من الغم الذي نحن فيه وفرج الكرب عنا، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.