[ALIGN=center]بسم الله الرحمن الرحيم
فريضة الحج ركن أساس من أركان ديننا الحنيف، شرعها سبحانه إتمامًا لدينه، وشرع معها العمرة، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم إلى جانب فريضة الحج، في قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } (البقرة:196) فهما شعيرتان من شعائر الإسلام، لهما أحكامهما ولهما حكمتهما.
ولتعلم أخي المسلم - وفقك الله لطاعته - أن هناك أحكامًا تتعلق بهذين النسكين، عليك أن تعرفها، لتكون على بيِّنة من أمرك، ولتكون في عبادتك على هدى وبصيرة، لا عن جهل وهوىً؛ فإن الله سبحانه كما طلب من عباده الإخلاص له في عبادته، فإنه كذلك أراد منهم أن يعبدوه وَفْق ما شرع، فلا يكون العمل عنده مقبولاً إلا إذا تحقق فيه شرطان، الإخلاص والصواب، فإذا فُقد هذان الشرطان، أو فُقِد أحدهما، فإن العمل لا يَلقى القَبول، وربما كان صاحبه من الذين قال الله فيهم: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا } (الكهف:104) .
إذا عرفت هذا - أخي الحاج - فهاك بيانًا مجملاً لحكم الحج، وشروط وجوبه، يكون لك عونًا - إن شاء الله - على أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، مشفوعًا ببيان لحكم العمرة .
حكم الحج والعمرة
الحج ركن من أركان الإسلام، وفرض بإجماع المسلمين، والدليل على ذلك، قوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } (آل عمران:97) ولِمَا ثبت في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) متفق عليه. ففي الآية والحديث دليل واضح على وجوب فريضة الحج على كل مكلف مستطيع لأدائها .
أما حكم العمرة فللعلماء فيه مذهبان؛ الأول مذهب الشافعي في أحد قوليه، و أحمد في إحدى روايتيه، أنها واجبة على من يجب عليه الحج؛ والثاني مذهب الحنفية والمشهور عن المالكية، أنها سنة مؤكدة؛ ودليل الفريق الأول حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( قلت يا رسول الله: على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ) رواه أحمد ؛ واستدل الفريق الثاني، بقوله عليه الصلاة والسلام عندما ( سئل عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: لا، وأن تعتمروا فهو أفضل ) رواه الترمذي ، وضعفه ابن حجر و البيهقي وغيرهما.
هذا، وقد أجمع أهل العلم على أن الحج والعمرة - عند من قال بوجوبها - إنما يجبان في العمر مرة واحدة؛ كما أن أكثر أهل العلم على أنهما يجبان على المكلف فور استطاعته، فلا يجوز له التأخير، إذا كان مستطيعًا، لقوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } والأصل في الأمر أن يلتزم به المكلف على الفور .
شروط وجوب الحج
لا يكون الحج واجبًا على المكلف إلا إذا توافرت فيه شروط معينه، وتُسمى هذه الشروط "شروط الوجوب" فإذا توفرت هذه الشروط كان الحج واجبًا على المكلف، وإلا فلا يجب عليه، وهذه الشروط هي:
الإسلام
فغير المسلم لا يجب عليه الحج، ولو أتى به لم يصح منه، لأن العبادات لا تجب إلا على المسلم، قال تعالى: { وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا الله وبرسوله } (التوبة:54) وهذه الآية وإن كانت في الزكاة خاصة، إلا أنها شاملة لسائر العبادات. فالإسلام شرط لصحة كل عبادة، وشرط لوجوبها .
التكليف
وهو أن يكون المسلم بالغًا عاقلاً، فالصغير لا يجب عليه الحج لعدم تكليفه، لكن لو حج صح منه ذلك، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبيًا، وقالت: ( ألهذا حج، قال: نعم، ولكِ أجر ) رواه مسلم ؛ أما المجنون فلا يجب عليه الحج، بل لا يصح منه لو فعله، لأنه غير أهل للعبادة.
الحرية
والحرية شرط لوجوب الحج؛ فالعبد المملوك لا يجب عليه الحج، لكن لو حج لصح منه، بيد أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام بعد حريته .
الاستطاعة
وتعني أن يكون مريد الحج قادرًا ماديًا وصحيًا على أداء هذا النسك؛ والاستطاعة إنما تكون في المال والبدن، فإن كان المكلف قادرًا بماله غير قادر ببدنه، فلا يجب عليه الحج، لكن عليه أن يُنيب من يؤدي الفريضة عنه. أما إن كان المكلف غير قادرٍ لا ببدنه ولا بماله ففي هذه الحال لا يكون الحج واجبًا عليه، لعدم تحقق شرط الاستطاعة .
ولا يلزم المكلف الاستدانة لأجل الحج، بل يكره طلب له المال من الناس وسؤالهم للحج .
والقدرة المالية المعتبرة لوجوب الحج، هي ما يحتاج إليه الحاج في ذهابه، وإقامته في الحج، ورجوعه، وأن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه لنفقة عياله، الذين تلزمهم نفقته، من وقت ذهابه إلى وقت عودته؛ وأيضًا أن تكون فاضلة عن قضاء دينه؛ فمن كان في ذمته دين حالٌّ لشخص، فلا يلزمه الحج إلا بعد وفاء ما في ذمته من دَين، وقد فصلنا هذا في مقال مستقل.
وإن احتاج المكلف للنكاح، وخاف على نفسه المشقة، أو الوقوع في الحرام، فله تقديم التزوج على الحج، وإن لم يخف على نفسه قدَّم الحج.
وجود المحرم للمرأة
إذا لم تجد المرأة محرمًا يسافر معها، فالحج في حقها غير واجب، لمنع الشرع لها من السفر دون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم ) متفق عليه.
هذا ما يتعلق بحكم الحج والعمرة، وشروط وجوبهما، وبقيت هناك أحكام أُخر تتعلق بهما، يمكن الرجوع إليها في شعاب محورنا هذا؛ نسأله تعالى التوفيق والقَبول والسداد والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين .[/ALIGN]