قراءة فى مقال الله ليس بجسم
صاحب المقال جعفر السبحاني ويبدو أن المقال جزء من كتاب وهو خاص بمسألة أن الله ليس له جسم وعن ذلك قال :
"الصفات السلبية:
ليس بجسم ولا في جهة ولا محل، ولا حال ولا متحد.
اتفقت كلمة أهل التنزيه تبعا للأدلة العقلية والنقلية على أنه سبحانه جميل أتم الجمال، وكامل أشد الكمال لا يتطرق إليه الفقر والحاجة، وهو غني بالذات، وغيره محتاج إليه كذلك.
أما العقل، فلأن كل متصور إما أن يكون واجب الوجود، أو ممكنه، أو ممتنعه. والثالث غير مطروح في المقام. والممكن لا يتصف بالألوهية، فيبقى أن يكون واجب الوجود هو الذي تنتهي إليه سلسلة الموجودات. وما هو واجب الوجود لا يكون فقيرا ومحتاجا في ذاته وفعله، لأن الفقر آية الإمكان.
وأما النقل، فيكفي في ذلك ما ورد من الآيات من توصيف نفسه بالغناء قال سبحانه: * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)
إن معنى كون أسمائه وصفاته توقيفية، لا يهدف إلا إلى أنه ليس لإنسان تسميته باسم أو وصف إلا بما ورد في الكتاب والسنة، وأما تنزيهه سبحانه عن كل شين وعيب، وعن كل ما يناسب صفة المخلوق فليس ذلك أمرا توقيفيا، والتوقف حتى في تنزيهه سبحانه عن صفات المخلوقين، ونقص الممكنات، ليس أمرا توقيفيا، وإلا لكان معنى ذلك تعطيل باب المعارف. ومن يتوقف في تنزيهه عن هذه الصفات غير المناسبة لساحته سبحانه فهو معطل في باب المعرفة، عنين في ذلك المجال، قال سبحانه: * (وما قدروا الله حق قدره) *
وعلى ذلك يترتب نفي كل صفة تناسب صفة الممكنات وكل نقص لا يجتمع مع الغنى ووجوب الوجود، سواء أكان داخلا فيما عددناه في عنوان البحث أو خارجا عنه، غير أنا توضيحا للبحث نشير إلى دليل كل واحد مما أوردناه في العنوان"
بالطبع كل ما أورده هو كلام ليس فى الموضوع مباشرة وتبدو ألاية الوحيدة التى لها علاقة هى آية :
عدم المثلية بين الله ومخلوقاته
وهى قول :
ط ليس كمثله شىء "
فالآية تنفى أى صفة للخلق أن تكون لله فإن كان لهم أجسام فهو ليس له جسم والحديث هو عن الأجسام الظاهرة والخفية لأن الله خلق بعضا نبصره وبعضا لا نبصره فقال :
" فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون"
وأما حكاية الغنى عن كل شىء فتبدو بعيدة عن الموضوع لأنه فى تلك الحالة سيكون مستغنيا عن نفسه وهى ذاته كما يبدو مستغنيا عن الجسم الذى يحتاج للمأكل والمشرب والهواء وغير هذا
وتحدث عن كون الجسم مجزأ ومحتاج لغيره كى يستمر فى البقاء فقال :
" - ليس بجسم
عرف الجسم بتعاريف مختلفة لا يتسع المجال لذكرها. وعلى كل تقدير فالجسم هو ما يشتمل على الأبعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق، وعلى قول ما يشتمل على الأبعاد بإضافة البعد الزماني إلى الأبعاد الثلاثة المكانية.
وهو ملازم للتركيب، والمركب محتاج إلى أجزائه، والمحتاج ممكن الوجود لا واجبه، والممكن لا يكون إلها خالقا مدبرا تنتهي إليه سلسلة الموجودات.
وبدليل آخر، إن كل جسم محتاج إلى الحيز والمحل، والمحتاج إلى غيره ممكن لا واجب.
وبدليل ثالث، إن الحيز أو المحل، إما أن يكون واجب الوجود كالحال، فيلزم تعدد الواجب، وإما أن يكون ممكن الوجود، مخلوقا لله سبحانه فهذا يكشف عن أنه كان موجودا غنيا عن المحل والحيز فخلقهما، فكيف يكون الغني عن الشئ محتاجا إليه!!."
وتحدث عن كون الله ليس فى جهة والمراد فى مكان فقال :
- ليس في جهة ولا محل.
وقد تبين حال استغنائه عنهما مما ذكرنا من الدليل على نفي الجسمية فلا نعيد."
كما تحدث كونه لا يحل فى المكان وهو تكرار للكلام السابق فقال :
" - ليس حالا في شئ.:
إن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية. وهذا المعنى لا يصح في حقه سبحانه لاستلزامه الحاجة وقيامه في الغير.
أضف إلى ذلك إن ذلك الغير إما ممكن أو واجب، فلو كان ممكنا فهو مخلوق له سبحانه، فقد كان قبل إيجاده مستقلا غير قائم فيه، فكيف صار بعد خلقه قائما وحالا فيه؟!، ولو كان واجبا يلزم تعدد الواجب وهو محال"
وتحدث عن كونه لا يمتزج بعيره فقال :
" - ليس متحدا مع غيره.
حقيقة الاتحاد عبارة عن صيرورة الشيئين المتغايرين شيئا واحدا، وهو مستحيل في ذاته فضلا عن استحالته في حقه تعالى، فإن ذلك الغير بحكم انحصار واجب الوجود في واحد، ممكن. فبعد الاتحاد إما أن يكونا موجودين فلا اتحاد لأنهما اثنان، أو يكون واحد منهما موجودا والآخر معدوما. والمعدوم إما هو الممكن، فيلزم الخلف وعدم الاتحاد، أو الواجب فيلزم انعدام الواجب وهو محال.
وبذلك تبين أن ما يدعيه أصحاب الفرق الباطلة كالمسيحيين والحلوليين من المسلمين، بل القائلين باتحاده سبحانه مع القديسين من الأنبياء والصلحاء والأقطاب وغيرهم، كلها من شطحات الغلاة وإرجاف الصوفية أعاذنا الله من شرورهم.
ثم إن تنزيهه سبحانه بحجة نفي الحاجة لا ينحصر في ما ذكرناه في عنوان البحث بل كل صفة وتعريف لله سبحانه يستلزم تشبيهه بالمخلوقات، فهو منفي عنه.
وبذلك يعلم صحة نفي التركيب عنه الذي تقدم بحثه في التوحيد الذاتي الأحدي.
الكتاب العزيز ونفي الجسمية."
قطعا نفى كل صفات الخلق عن الله يعنى أنه خارج المحل وهو المكان وينفى حاجته لغيره وكيف يحتاج لغيره مما خلق إذا كان هو كان قبلهم ولم يكن أى شىء أخر معه
وتحدث عن سعة وجود الله فقال :
"إن التدبر في الذكر الحكيم يوفقنا على أنه سبحانه منزه عن كل نقص وشين، وأنه ليس بجسم ولا جسماني. وهذا المعنى وإن لم يكن مصرحا به في الكتاب، لكن التدبر في آياته، الذي أمرنا به في ذلك الكتاب في قوله سبحانه: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) يوصلنا إلى ذلك. ولأجل إيقاف القارئ على موقف الكتاب في ذلك نشير إلى بعض الآيات:
1 - إن الذكر الحكيم يصف الواجب تعالى بقوله: * (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) * والآية صريحة في سعة وجوده سبحانه، وأنه معنا في كل مكان نكون فيه.
وما هذا شأنه لا يكون جسما ولا حالا في محل أو موجودا في جهة. إذ لا شك إن الجسمين لا يجتمعان في مكان واحد وجهة واحدة، فالحكم بأنه سبحانه معنا في أي مكان كنا فيه، لا يصح إلا إذا كان موجودا غير مادي ولا جسماني.
ثم إن المجسمة!، ومن يتلو تلوهم إذا وقفوا على هذه الآية يؤولونها بأن المراد إحاطة علمه، لا سعة وجوده. ولكنه تأويل باطل لا دليل عليه. والعجب إن هؤلاء يفرون من التأويل في الصفات الخبرية، ويرمون المؤولة بالتعطيل مع أنهم ارتكبوا ما ألصقوه بغيرهم!!.
أضف إلى ذلك إنه سبحانه صرح بإحاطة علمه بكل شئ في نفس الآية، وقال: * (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) * فإذا لا وجه لتكرار هذا المعنى بعبارة مبهمة، وعلى ذلك لا مناص من حمل الآية على سعة وجوده وإحاطته بكل شيء لا إحاطة حلولية حتى يحل في الأجسام والإنسان، بل إحاطة قيومية عبر عنها في الآيات الأخر بقوله: * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) أي قائما بالذات، وسائر الأشياء قائمة به. فليست كل إحاطة ملازمة للحلول والاتحاد، ولا يمكن أن يكون ما تقوم الأشياء بذواتها به غائبا عنها غيبوبة الجسم عن الجسم.
2 - يقول سبحانه: * (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم)
والآية صريحة في سعة وجوده وأنه موجود في كل مكان ومع كل إنسان لكن لا بمعنى الحلول بل إحاطة قيومية قيام المعلول بالعلة، والمعنى الحرفي بالمعنى الاسمي، ومع ذلك فلا يصل الإنسان إلى كنه هذه الإحاطة وهذه القيومية. فالآية تفيد المعية العلمية والمعية الوجودية، فكلما فرض قوم يتناجون، فالله سبحانه هناك موجود سميع عليم.
وبعبارة أخرى إنه سبحانه وصف نفسه في الآية بالعلم بما في السماوات وما في الأرض، ثم أتى بقوله: * (ما يكون من نجوى ثلاثة) *،
كالدليل على تلك الإحاطة العلمية، فبما أنه يسع وجوده كل مكان وجهة، فهو عالم بكل ما يحويه المكان والجهة.
ومثل هذا لا يمكن أن يكون جسما، لأن كل جسم إذا حواه مكان خلا منه مكان آخر.
3 - قال تعالى: * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم)
لما أمر سبحانه بالتوجه إلى القبلة - وربما أوهم ذلك أن الله في مكان يستقر فيه - دفعه سبحانه بقوله: * (أينما تولوا فثم وجه الله) * أي لا يخلو مكان عن ذاته ووجوده.
فالمراد من الوجه هنا هو الذات، قال ابن فارس: " وربما عبر عن الذات بالوجه قال:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه * رب العباد إليه الوجه والعمل "
ولا ينحصر تفسير الوجه بالذات بهذه الآية بل هو كذلك في الآيتين التاليتين:
1 - قوله سبحانه: * (لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه)
2 - وقوله سبحانه: * (ويبقى وجه بك ذو الجلال والإكرام)
والدليل على أن الوجه في هاتين الآيتين بمعنى الذات، لا العضو المخصوص، واضح.
أما الآية الأولى، فلأنه سبحانه بصدد بيان أن كل شئ يهلك ويفنى إلا نفسه وذاته. وهذا لا يصح إلا أن يكون المراد من الوجه هو الذات لا العضو المخصوص.
وأما الآية الثانية، فلأنه وصف الوجه بقوله: * (ذو الجلال والإكرام) *، بمعنى ذو الطول والإنعام وما يقاربه. ومن المعلوم أنهما من صفات نفس الرب لا من صفات الوجه، أعني الجزء من الكل. ولو كان الوجه هنا، بمعنى العضو المخصوص لوجب أن يقول: " ذي الجلال والإكرام " حتى يقع وصفا للرب لا للوجه.
ويشهد على ذلك قوله سبحانه: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) فلما كان الاسم غير المسمى وصف الرب بقوله " ذي الجلال "، ولم يصف الاسم به وإلا لقال " ذو الجلال ".
فإذا تبين إن الوجه في هذه الآيات بمعنى الذات، أفهل يجتمع قوله * (فثم وجه الله) * مع كونه جسما محددا في جهة خاصة وموجودا فوق العرش، متمكنا فيه أو جالسا عليه، وما أشبه ذلك مما يوجد في كلمات المجسمة ومن هو منهم، وإن كان يتبرأ من وصفه بالتجسيم!!."
قطعا آيات الوجه تفسيرها كالتالى :
-قال تعالى بسورة البقرة :
"ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله "
وجه الله هنا بمعنى خلق الله ففى أى جهة ننظر نرى خلق الله حولنا .
-قال تعالى بسورة الليل:
"وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى "
وجه الرب هنا بمعنى فضل أى رضا أى ثواب الله فالإنسان يبتغى فضل الله ثواب الله وهو رحمته كما قال تعالى بسورة الفتح :
"يبتغون فضلا من الله ورضوانا ".
-قال تعالى بسورة القصص :
"كل شىء هالك إلا وجهه "
وجه الله هنا هو جزاء الله وهو الجنة و النار فكلاهما باق لا يفنى وفى بقاء رزق الجنة قال تعالى بسورة النحل :
"ما عندكم ينفد وما عند الله باق ".
-قال تعالى بسورة الرحمن :
"ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "وجه الرب هنا هو جزاء الله أى الجنة والنار أى الرزق والعذاب كما قال تعالى بسورة طه :
"ورزق ربك خير وأبقى "
وكما قال بنفس السورة :
"ولعذاب الأخرة أشد وأبقى "
والسعة الإلهية التى تحدث عنها معنا شمول ملكه السموات والأرض وما بينهما وهو ما اصطلح عليه بالخلق أو الكون وكلمة الملك تتضمن كل ألأمور الأخرى كالعلم وغيره
وتحدث عن نفى الشبه بين الله وبين الخلق فقال :
- يقول سبحانه وتعالى: * (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
إن الآية بصدد نفي التشبيه على الإطلاق، وليس من كلمة أجمع من قوله سبحانه * (ليس كمثله شئ) *. أوليس القول بكونه جسما ذا جهة ومحل، موجودا فوق العرش متمكنا فيه أو جالسا عليه، تشبيه للخالق بالمخلوق؟ صدق الله العلي العظيم إذ قال: * (وما قدروا الله حق قدره) فما هذا الصمم والعمى في الأسماع والأبصار والقلوب؟!.
وتحدث عن آيات يدل ظاهرها على الحلول والمكانية فقال :
"نعم، ربما يتوهم القاصر، دلالة الآيتين التاليتين على كونه سبحانه في السماء وأنه في جهة، وهما قوله سبحانه: * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير)
ولكن المتأمل فيما تقدمهما من الآيات يخرج بغير هذه النتيجة فإنه سبحانه يقول قبلهما: * (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)
فهذه الآية تذكر نعمة الله سبحانه على أهل الأرض ببيان أنه جعل الأرض ذلولا فسهل سلوكها، وهيأ لهم رزقه فيها، وعند ذلك ينتقل في الآية الثانية إلى ذكر أن وفرة النعم على البشر يجب أن لا تكون سببا للغفلة والتمادي والعصيان، فليس من البعيد أن يخسف الأرض بهم، فإذا هي تمور وتتحرك وترتفع فوقهم كما ليس من البعيد أن ينزل عليهم ريحا حاصبا ترميهم بالحصباء. فعند ذلك، عند معانيه العذاب، يخرجون من الغفلة ويعرفون الحق، وهذا هو هدف الآيات الثلاث.
وأما التعبير ب* (من في السماء) * فيحتمل أن يراد منه: من سلطانه وقدرته في السماء، لأنه مسكن ملائكته واللوح المحفوظ ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه. كما أن منها ينزل رزق البشر، وفيها مواعيده: * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * فيصح التعبير بمن في السماء عن سلطانه وقدرته وكتبه وأوامره ونواهيه.
كما يحتمل أن يكون الكلام حسب اعتقادهم، بمعنى أأمنتم من تزعمون أنه في السماء أن يعذبكم بخسف أو بحاصب، كما تقول لبعض المشبهة: " أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل ".
وهناك احتمال ثالث وهو أن يكون المراد من الموصول هو الملائكة الموكلون بالخسف والتدمير، فإن الخسف والإغراق وإمطار الحجارة كانت بملائكته سبحانه في الأمم السالفة.
فبعد هذه الاحتمالات لا يبقى مجال لما يتوهمه المستدل.
أضف إلى ذلك أنه سبحانه يصرح بكون إله السماء هو إله الأرض ويقول: * (هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم)
فليس الإله بمعنى المعبود كما هو بعض الأقوال في معنى ذلك اللفظ، بل " الإله " و " الله " بمعنى واحد، غير أن الأول جنس والثاني علم. ولو فسر أحيانا بالمعبود، فإنما هو تفسير باللازم، فإن لازم الألوهية هو العبادة، لا أنه بمعنى المعبود بالدلالة المطابقية.
فعلى ذلك فمفاد الآية وجود إله واحد في السماء والأرض وهذا يكون قرينة على أن المراد من قوله: * (من في السماء) * هو أحد الاحتمالات الماضية."
قطعا فسر الله كونه فى السموات وفى الأرض بكونه رب من فى السموات ورب من ومن ثم معنى أأمنتم فى السموات معناه أأمنتم رب من فى السموات
وتحدث عن على والتجسيم فقال :
"مكافحة علي القول بالتجسيم
إن عليا وسائر الأئمة من أهل البيت مشهورون بالتنزيه الكامل. وكانوا يقولون إنه سبحانه لا يشبهه شئ بوجه من الوجوه، ولا تدرك الأفهام والأوهام كيفيته ولا كنهه. ويظهر ذلك من خطبه والآثار الواردة عن سائر أئمة أهل البيت وقد وقف على ذلك القريب والبعيد.
قال القاضي عبد الجبار: " وأما أمير المؤمنين فخطبه في بيان نفي التشبيه وفي إثبات العدل أكثر من أن تحصى "
روى المبرد في الكامل: " قال قائل لعلي بن أبي طالب: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟.
فقال علي "أين"، سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان "
وقال البغدادي: قال أمير المؤمنين: " إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته، لا مكانا لذاته "
وقال أيضا: " قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان "
وقد بلغ بعلي من الأمر أنه كان يراقب العوام والسوقة في محاضراتهم وما يصدر منهم فدخل يوما سوق اللحامين وقال:
" يا معشر اللحامين، من نفخ منكم في اللحم فليس منا فإذا هو برجل موليه ظهره، فقال: كلا والذي احتجب بالسبع فضربه على ظهره
ثم قال: يا لحام، ومن الذي احتجب بالسبع؟.
قال: رب العالمين يا أمير المؤمنين.
فقال: أخطأت، ثكلتك أمك، إن الله ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنه معهم أينما كانوا.
فقال الرجل: ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟.
قال: أن تعلم أن الله معك حيث كنت.
قال: أطعم المساكين؟.
قال: لا، إنما حلفت بغير ربك "
وحكاية اللحام حكاية خاطئة لأن القائل هنا ينفى الحجاب مع ثبوته بقوله تعالى:
" وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا"
والكلام من وراء حجاب معناه أن يتكلم من لا يتكلم أمام الناس مثل جانب الشجرة التى كلمت موسى(ص)وفيها قال تعالى :
"فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة"
وتحدث عن المعية مع الخلق فقال :
"وهذه المعية التي ذكرها علي قد وردت في آيات الذكر الحكيم، منها ما سبق ومنها قوله تعالى: * (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم. .)
وقال " ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: "فيم؟ " فقد ضمنه. ومن قال "علام؟ " فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة،وغير كل شئ (لا) بمزايلة "
وقال " الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر "
وقال " ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه "
وقال " قد علم السرائر، وخبر الضمائر، له الإحاطة بكل شئ، والغلبة لكل شئ والقوة على كل شئ "
إلى غير ذلك من خطبه وكلمه في التنزيه ونفي الشبيه. ومن أراد الإسهاب في ذلك والوقوف على مكافحة أئمة أهل البيت لعقيدة التشبيه والتكييف والتجسيم، فعليه مراجعة الأحاديث المروية عنهم في الجوامع الحديثية"
والمعية الإلهية لا تعنى الوجود مع الخلق فى مكان ولكنها تعنى نصر الله كما بقوله بسورة التوبة :
"لا تحزن إن الله معنا "
أى لا تخاف إن الله ناصرنا أى منجينا من أذى الكفار بدليل قوله فى نفس الآية خلف العبارة :
"فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا "
كما تعنى علم الله كما بقوله بسورة المجادلة :
"ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا "
ومعية الله تعنى علمه بدليل قوله فى أول الآية "يعلم ما فى السموات وما فى الأرض " وعلمه يأتى من الذين مع الخلق فى المكان وهم المتلقيان الذى وضعهم مع الخلق لكتابة ما يقولون وفى هذا قال تعالى بسورة ق:
"إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "
إذا فمعنى كون الله رابع الثلاثة وسادس الخمسة هو أن رقيب الله هو رابع الثلاثة وسادس الخمسة ومعنى وجود الله مع المتناجين فى كل مكان هو وجود رقيب الله معهم فى كل مكان أى يراقبهم فى كل مكان يكونون فيه .