الوسطيه في الاسلام
المراد بوسطيَّة الأمّة في الاصطلاح الشرعيّ :
وبذلك كانت الأمّة كلّها ( وسطًا ) ، أيْ : عدولاً خيارًا بين الأمم كلّها عبدوا الله على يقينٍ من أمرهم على وفق هدى ربّهم وسنّة نبيّهم من غير ميلٍ إلى أيّ الاتّجاهين المذمومين : الجفاء أو الغلوّ .
ثمّ : " وسطيَّة الإسلام من أبرز خصائصه ، وهي بالتبع من أبرز خصائص أمّة الاستجابة ، قال ـ تعالى ـ :
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ولذلك نجد الإسلام يقدّم المنهج الوسط في كلّ شأنٍ من شؤون الحياة ، ولا يكتفي بهذا ، بل يحذر من المصير إلى أحد الانحرافين الغلوّ والتقصير "
قال صلى الله عليه وسلم:
"إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"
رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهم
الشرة : الحدة
الفتره : الضعف والانكسار
أوسط الناس خيارهم وعدولهم ممن تمسّكوا بهدي الكتاب والسنّة من غير إفراط ولا تفريط ، فتركوا سبيل الجفاء ، ولم يميلوا إلى سبيل الغلوّ ، وهم كما ذكر عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ( ت : 101هـ ) في كتابه الذي كتبه إلى أحد عمّاله وأوصاه فيه بلزوم طريق من سلف ثم قال : " فما دونهم من مقصّر ، وما فوقهم من محسّر ، وقد قصر قومٌ دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوامٌ فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم "
قال ابن القيّم ( ت : 751هـ ) : " وما أَمَرَ الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان ، إمّا إلى تفريطٍ وإضاعة ، وإمّا إلى إفراط وغلوّ ، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه ، كالوادي بين جبلين ، والهدى بين ضلالتين ، والوسط بين طرفين ذميمين ، فكما أن الجافي عن الأمر مضيّعٌ له فالغالي فيه مضيّعٌ له ، هذا بتقصيره عن الحدّ ، وهذا بتجاوزه الحدّ "
السؤال
هذا سائل يطلب شرحاً موجزاً لحديث: ( لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة )؟
الجواب
لكل عمل شرة: الإنسان إذا أقبل على العمل الصالح والطاعة وجد في نفسه -خاصة في بدايته- أنه شره، وأنه يريد أن يستغرق الطاعة بكل ما يستطيع،
وهذا من نعم الله تبارك وتعالى، فالخير دائم إليه، ومحبب إلى القلوب والنفوس، ففي البداية تجد أنك تريد أن تقبل على الخير بكليتك، وهذا أمر موجود، تجد بعض الشباب إذا ابتدأ الهداية يود أن جميع حركاته وسكناته في طاعة ومرضاة الله من لذة وحلاوة الإيمان التي خالطت بشاشة قلبه.
لكن هذه الشرة لها فترة تعقبها أحوال، بمعنى: يضعف فيها الإيمان، ويضعف فيها القلب عن محبة الرحمن، وهذه سنة من الله عز وجل له فيها الحكمة البالغة، أحياناً تجد من نفسك في بداية شهر رمضان أنك لو استغللت كل لحظة وثانية من هذا الشهر في محبة الله عز وجل، هذا كمثال بسيط كنا فيه منذ أيام قليلة، فلما دخل الإنسان ونافس في الأيام الأولى والثانية والثالثة فألف الطاعة، فتأتيه الفترة، هذه الفترة لله فيها حكم، من الحكم: أنه يظهر فيها صدق الصادق،
بعض الناس إذا جاءته الفترة استمسك، وأصبح في ابتهال ودعاء وإنابة إلى الله عز وجل، وخوف أن يسلب منه ذلك العمل الصالح، وهؤلاء هم الأخيار، وهم أعلى الناس مقاماً في العمل الصالح، وتجده يتألم، يكون محافظاً على قيام الليل والنوافل والطاعات،
حتى إذا أصبح منه -ولو شيئاً يسيراً- من التقصير في أمور ليست بالواجبة يتألم ويضجر، ويحس أنه قد فقد حياته؛ لأنه من حياة قلبه يحس أن مصيبته كل المصيبة دينه، وأنه إذا أصيب بنقص في دينه أنها هي الخسارة، عبد طائع منيب لله يحس أنه ينبغي أن تستغل الحركات والسكنات والأوقات في محبة الله.
هذه الحلاوة إذا جاءت في بداية العمل لا بد من وجود ضعف بعدها؛ لأنه لو كان الإنسان دائماً في طاعة واستقامة فإنه قد يخرج عن الحد المألوف، وقد يتجاوز إلى مقام التنطع والغلو في الدين، ولكن الله يبتلي العبد بنوع من الضعف، ويكون لهذا الضعف حكمة بحيث يشوق بعد ذلك إلى الخير أكثر، فبعض الأخيار يكون -مثلاً- على طاعة، ثم يسلب الطاعة، فتأتيه فترة، فإذا جاءته الفترة والضعف استمسك بالفرائض، لكن عنده شوق إلى العمل الصالح، فلو عاد للعمل الصالح مرة ثانية يعود أكثر شوقاً وأكثر حرصاً.
ولذلك ينبغي للإنسان أن يحسن الظن بالله عز وجل إذا سلب أي شيء من الطاعة، وأن يدمن سؤال الله عز وجل أن يعيدها إليه، والله تعالى أعلم.
.
,